في كانون ثان 2009، تواجدت في مدينة غزة قوة عسكرية إسرائيلية في نطاق عملية “الرصاص المصبوب”، وقد أمرت القوة صبيًّا في التاسعة من العمر بفتح عدد من الحقائب والشنط اشتُبه باحتوائها على عبوة ناسفة أو على مخرّب مختبئ. قاد هذا الحادث الذي عُرف جماهيريا باسم “قضية إجراء الولد”، إلى اتهام جنديَّين باقتراف مخالفة “تجاوز الصلاحية إلى حدّ تشكيل خطر على الحياة أو الصحة”. غير أن القضية الخطيرة بخصوص استخدام صبي ك”درع بشري” – وهي جريمة حرب طبقا لكافة التعريفات الدارجة – تحوّلت إلى لائحة اتهام بارتكاب مخالَفة تصل العقوبة القصوى فيها إلى الســـجن لمدة ثلاث سنوات، وذلك لأنّ القانون الإسرائيلي لا يتيح المحاكمة في إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

التقرير الذي نشرته منظّمة “ييش دين” بعنوان: “ثغرة: جرائم الحرب في القانون الاسرائيلي والأحكام القضائية في المحاكم العسكرية”، ينادي إلى تعديل التشريعات على نحو يتيح محاكمة المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب.

تعدّ جرائم الحرب من ضمن مجموعة الجرائم الدولية التي تمسّ بالقيم المشتركة للمجتمع الدولي بأسره، لذا تعتبر ذات خطورة خاصة. وقد شرّعت دول كثيرة في أنحاء العالم قوانين تهدف إلى تعريف هذا النوع من المخالفات ومعاقبة مقترفيها، وفق ما يمليه القانون الدولي. أمّا في القانون الاسرائيلي فلم يتمّ بعد سنّ قانون يعرّف جرائم الحرب، رغم أن هذه كانت من توصيات تقرير لجنة طيركل الذي نُشر في شباط 2013 وأوصى بتشريع إسرائيلي يعرّف مجموعة من جرائم الحرب في القانون الجنائي. نتيجة انعدام التشريعات الملائمة، تقوم المحاكم العسكرية بمحاكمة الجنود الذين ينتهكون قوانين القتال بتهم ارتكاب مخالفات “عادية”.

في التوجّه المتَّبع في دولة إسرائيل، من جملة دول قليلة أخرى، تتمّ محاكمة المتّهمين بتهم ارتكاب أعمال قد ترقى الى حد اقتراف جرائم حرب، وفق القانون المحلي العادي. يعرض تقرير “ثغرة” نماذج دولية للتشريعات التي تُدين جرائم الحرب، ويستعرض التعليمات القائمة في القانون الإسرائيلي، كما يفحص سياسة الادعاء العسكري وأحكام المحاكم العسكرية.

مجموعتان من الحالات الاختبارية المشمولة في التقرير (استعمال “الدروع البشرية” والتنكيل بالمعتقلين المكبّلين) تُظهران كيف يؤدي الوضع القانوني السائد في دولة إسرائيل إلى تملّص المتهمين من الإدانة بارتكاب جرائم حرب وإدانتهم عوضا عن ذلك بمخالفات “عادية” وحتى طفيفة. ولا تأخذ هذه الإدانات بالحسبان الخطورة الخاصة الكامنة في ارتكاب مخالفات من قبل محارِب يعمل في مواجهة المدنيين في إطار مواجهة مسلّحة. كما يُظهر التقرير أنّه في معظم الحالات يُعاقَب المدانون بعقوبات مخفّفة، ويستفيدون في حالات كثيرة من تقصير ملحوظ في فترة التسجيل الجنائي.

وترى منظّمة “ييش دين” أنه بالنظر إلى الممارسات في المحاكم العسكرية والنقص في المخالفات الجوهرية في القانون المحلي، هناك حاجة إلى تحديد عقوبات خاصة بجرائم الحرب بواسطة تشريع في جهاز القضاء بدولة إسرائيل.