في كانون ثان (يناير) 2016 نشرت وزارة العدل الإسرائيلية تقريرًا استثنائيًّا يلخّص ويفصّل جهود إسرائيل في مجال مكافحة الجريمة الأيديولوجية. ويجزم التقرير الذي نُشر باللغة الانجليزية فقط وجرى تعميمه على أعضاء المجتمع الدبلوماسي في إسرائيل، بأنه منذ تأسيس قسم مكافحة الجريمة القومية في لواء “شاي” (يهودا والسامرة) في شرطة إسرائيل طرأ انخفاض كبير على حجم الظاهرة وازداد بشكل كبير حلّ الملفّات وتقديم لوائح اتهام ضد المشتبه بارتكابهم جرائم على خلفية قومية.
حسب تقرير الوزارة الذي شكّلت معطياته أساسًا استخدمه المندوبون الإسرائيليون الذين مثلوا أمام لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، طرأ عام 2015 انخفاض هائل في عدد الجرائم التي تُرتكَب على خلفية أيديولوجية في الضفة الغربية، الأمر الذي انعكس في حقيقة أن شرطة لواء “شاي” قد فتحت 119 ملفّ تحقيق فقط من هذا النوع، هذا مقارنةً ب367 ملفًّا في عام 2014، و497 ملفًّا في عام 2013. كما أشار التقرير أنه من أصل 119 ملفًّا تم فتح 31 ملفًّا فقط على أثر شكاوى قدّمها فلسطينيون.
من جهة أخرى، ادّعى التقرير وجود ارتفاع حاد في نسبة لوائح الاتهام المقدَّمة في ملفات الجريمة القومية، وأنه في عام 2015 قُدّمت 38 لائحة اتهام على أثر ارتكاب جرائم على خلفية قومية (تشكّل 32% من الملفّات) مقارنةً بنسبة 16% عام 2014 و19% عام 2013.
ولكن التحليل الذي نشرته ييش دين كردّ فعل على تقرير الوزارة، يُظهر أن هذه المعطيات هي النزر اليسير من عمل الشرطة في مجال الجريمة القومية. حسب معطيات الشرطة التي جرى تسليمها لييش دين نزولاً عند طلبها وفق قانون حرية المعلومات، يتّضح أنه في عام 2015 فُتح 280 ملفّ تحقيق في قضايا الجريمة الأيديولوجية – أكثر من ضعفَي ما ادّعته وزارة العدل. كما نُقل عن الشرطة أنه في عام 2015 شرع لواء “شاي” بالتحقيق في 89 ملفًّا على أثر ارتكاب جريمة قومية وقع ضحيتها فلسطيني – وليس 31 ملفًّا كما ادّعت وزارة العدل. كما أفادت الشرطة بأنه تمّ تقديم لوائح اتهام في 59 ملفّ تحقيق خلال عام 2015 بتهمة ارتكاب جريمة قومية.
مع هذا، فإن معطيات الشرطة ومعطيات وزارة العدل بشأن لوائح الاتهام، تشكّل ذرًّا للرماد في العيون، هدفه عرض صورة وردية أكثر مما هي في الواقع بكل ما يتعلّق بمعالجة سلطات تطبيق القانون للمخالفات التي يقع ضحيتها فلسطينيون. حسب معطيات الشرطة، من أصل 89 ملفًّا شُرع بالتحقيق فيها على أثر شكاوى قدّمها فلسطينيون عام 2014، أفضت أربعة فقط إلى تقديم لوائح اتهام. هذه النسبة من لوائح الاتهام، والتي تعادل 4.5% من ملفّات التحقيق، هي أقلّ حتى من المعطيات التي توصّلت إليها ييش دين بين السنوات 2005-2015.
وتثير قراءة تقرير وزارة العدل الانطباع بأنّ هناك محاولة لعرض معطيات منحازة أمام المجتمع الدولي، وذلك لدحض الانتقاد بخصوص تخاذل أجهزة تطبيق القانون الإسرائيلية فيما يتعلّق بمكافحة الجريمة الأيديولوجية التي يرتكبها إسرائيليون ضد فلسطينيين. يُشار إلى أن المعطيات التي تعرضها وزارة العدل لا تشمل عمل وحدات التحقيق الأخرى في لواء “شاي”، والتي لا تعتبر جزءًا من قسم مكافحة الجريمة القومية (منطقة شومرون، منطقة الخليل ومخفر بنيامين).
علاوة على ما تقدّم، فإن المعطيات التي تعرضها الوزارة بشأن لوائح الاتهام الناتجة عن عمل قسم مكافحة الجريمة القومية، تشتمل بالأساس على لوائح اتهام بشأن مخالفات ارتكبها مدنيون إسرائيليون ضد أفراد من قوات الأمن الإسرائيليين. فبحسب معطيات الشرطة، كان هناك من أصل 240 ملفًّا حقّق فيها قسم مكافحة الجريمة القومية بين الأعوام 2012-2014، ما يعادل 114 ملفًّا – أقلّ بقليل من النصف – كان ضحيته فلسطينيًّا. ومن أصل 83 لائحة اتهام قدّمها القسم في تلك السنوات، كان هناك فقط 21 ملفًّا (25%) بشأن مخالفات وقع ضحيتها فلسطيني.
وتُظهر معطيات ييش دين أنه رغم المحاولات في السنوات الخمس الأخيرة لتحسين مواجهة الجريمة الأيديولوجية الموجَّهة ضد الفلسطينيين في أرجاء الضفة الغربية، إلا أن تطبيق القانون في هذا المجال لا يزال منقوصًا ولا يوفّر الحماية اللازمة للسكان الفلسطينيين وممتلكاتهم. الارتفاع الذي وثّقته ييش دين في عدد الاعتداء على الفلسطينيين وممتلكاتهم داخل القرى الفلسطينية، يعكس انعدام قوة الردع لدى السلطات الإسرائيلية، مما يعمّق الخوف وعدم ثقة المدنيين الفلسطينيين بالسلطات الإسرائيلية.