تاريخ التقديم: 18.4.19
محكمة العدل العليا2821/19 إيمان فوزي عبد الرحمن سيف وآخرون ضدّ قائد قوات الجيش الإسرائيليّ في الضفّة الغربيّة وآخرين
قدّم أصحاب أراضٍ من القرية الفلسطينيّة بُرقة، بمساعدة منظّمة “ييش دين”، التماسًا إلى محكمة العدل العليا، مطالبين بالسماح لهم بالوصول بحريّة إلى أراضيهم الواقعة في المكان الذي تواجدت به مستوطنة “حوميش” سابقًا، والتي أُخليت في إطار ما يُسمّى بعمليّة “الانفصال”، ومطالبين بتطبيق القانون ضدّ جهات تمكث في أراضيهم بشكلٍ دائم ومخالف للقانون. يدور الحديث عن أراضٍ بملكيّة خاصّة لسكّان من قرية بُرقة. جاء تقديم الالتماس استمرارًا لسلسلة طويلة من الإجراءات القضائيّة، التي طالب من خلالها أصحاب الأراضي بالسماح لهم بالوصول إلى أراضيهم بحريّة، وفي نفس الوقت الحفاظ على سلامتهم وأمنهم.
بعد إخلاء المستوطنة “حوميش” في عام 2005، بقي أمر الاستيلاء العسكريّ على الأرض ساري المفعول، ومُنع بسببه الفلسطينيّون من الدخول إلى المكان، كما أنّ المستوطنة أُقيمت بالسابق بناءً هذا الأمر العسكريّ. في عام 2013 فقط، وبعد نضال قضائيّ خاضه جزء من أصحاب الأراضي بالتعاون مع منظّمة “ييش دين”، تمّ إلغاء أمر الاستيلاء، ليُسمح للفلسطينيّين الدخول إلى أراضيهم. (محكمة العدل العليا 9389/11 – رئيس مجلي قرية بُرقة السيّد عبد الفتّاح صلاح ضدّ قائد قوّات الجيش الإسرائيليّ في الضفّة الغربيّة).
ولكن، بقي الانتصار في المعركة القضائيّة حبرًا على ورق: فعلى الرغم من إبطال أمر الاستيلاء وإزالة المنطقة من قائمة المستوطنات التابعة للمجالس الإقليميّة، إلا أنّه ما زالت تتواجد على أرض الواقع جهات إسرائيليّة غير قانونيّة ممنوعة من التواجد في المكان. ابتدأ تواجد هذه الجهات بعد الإخلاء مباشرةً، ويستمر حتى اليوم:
بعد إخلاء المستوطنة بشهور قليلة، أُقيم في المكان احتفال بمناسبة عيد الحانوكا باشتراك حوالي ألف شخص إسرائيليّ. ومنذ ذلك الوقت، استمرّت جهات إسرائيليّة مختلفة بزيارة المكان وإقامة الاحتفالات فيه، حتّى أنّ ذلك كان أحيانًا بدعم أو باشتراك المجلس الإقليميّ “هشومرون”، وحاخامات وأعضاء كنيست، ما يعتبر إخلال سافر بالأوامر التي تنصّ على إغلاق المكان أمام الإسرائيليّين. أمّنت قوّات الأمن أكثر من مرّة هذه المناسبات والتجمهرات، وفي الوقت نفسه، أُجبر الفلسطينيّون أصحاب الأراضي على إطاعة الأوامر التي منعتهم من الدخول إلى الأراضي، وغيّبتهم عن المنطقة طيلة تلك السنوات.
إلى جانب الاحتفالات والتجمهرات الدوريّة، يزور المكان منذ عام 2007 وحتّى اليوم، وبشكل دائم، طلّاب المدرسة الدينيّة “حوميش هامِتحاديشيت” (חומש המתחדשת)، والتي يرأسها الحاخام إليشيماع كوهين، والتي تصّرح بشكلٍ علنيّ أن هدفها هو أن يكون تواجد دائم ومستمر في المكان.
بالإضافة إلى انتهاك القانون من خلال انتهاك الأوامر والتعدّي على الممتلكات الخاصّة، ترتكب أعمال عنف عديدة ضدّ الفلسطينيّين سكّان المنطقة، والتي تشمل: اقتلاع تجهيزات زراعيّة وتخريب الأشجار؛ تخريب المباني؛ اقتحام البيوت والتسبّب بتخريب ما بداخلها؛ سرقة المعدّات؛ كتابة شعارات “تدفيع الثمن” ؛ إحراق التبن المعدّ لإطعام الحيوانات؛ تدمير أنابيب المياه؛ تكسير خزّانات الريّ؛ إلقاء الحجارة على بيوت الفلسطينيّين وإلحاق الضرر بالممتلكات؛ إلقاء الحجارة على السكّان الفلسطينيّين؛ إطلاق النار نحو بيوت القرية؛ سرقة المواشي؛ إصابة الحيوانات؛ الاعتداء على السكّان الفلسطينيّين بالعصي والحجارة أحيانًا، وغالبًا عن طريق مجموعات من الإسرائيليّين، والتي أدّت وفي كثير من الأحيان إلى إصابات وصلت حدّ فقدان الوعي. قدّم ضحايا هذه الجرائم، في جزء من الحالات التي ذُكرت أعلاه، شكاوى في الشرطة.
أدّى تواجد الإسرائيليّين المستمرّ في المكان وكذلك أعمال المضايقة التي حصلت بعد إلغاء أمر منع دخول الفلسطينيّين إلى المنطقة (في عام 2013 كما ذُكر)، إلى خشية أصحاب الأراضي من الدخول إلى أراضيهم حتّى لا يصابوا بأيّ مكروه، علمًا أنّ كل من يقترب إلى المكان يعرّض حياته للخطر.
في أيّار 2018، وفي إطار محاولات “ييش دين” للوصول إلى حلّ يمكّن وصول أصحاب الأرض إلى أراضيهم بأمان، علمنا أنه قبل سبع أشهر من ذلك، أي في تشرين أوّل 2017، أصدر القائد العسكريّ أمر ترسيم حدود يمنع دخول أي شخص كان إلى المنطقة، إن كان فلسطينيًّا أو إسرائيليًّا. التفسير لإصدار هذا الأمر هو الحاجة إلى القيام بعمليّة إخلاء-بناء (פינוי בינוי) للمباني غير القانونيّة التي في المنطقة. لم يعلم أصحاب الأرض عن إصدار هذا الأمر بتاتًا، وعلم به محامو “ييش دين” عن طريق الصدفة. لم يستثنِ أمر ترسيم الحدود أصحاب الأراضي، وهكذا، عمليًّا، نتج وضع يُمنع فيه أصحاب الأراضي المسجّلين من الدخول إلى أراضيهم، بينما يتواجد الإسرائيليّون المُعتَدون على أملاك غيرهم في المكان بشكلٍ دائم، دون أن يخليهم المسؤولون عن تطبيق القانون أو فرض العقوبات القانونيّة عليهم.
على الرغم من إصدار الأمر في عام 2017، لم تعمل سلطات تطبيق القانون من أجل إخلاء المباني والدخلاء حتّى اليوم، ولا من أجل إيقاف التواجد الإسرائيليّ في المكان.
إذًا، أُصدر أمر ترسيم الحدود لهدف واحد فقط: منع وصول أصحاب الأراضي إلى المنطقة التي يملكونها. لم يُشتبه في السابق في أنّ أصحاب الأراضي قد أقاموا مبانٍ غير قانونيّة في تلك المنطقة، أو بقيامهم بأيّ نشاط غير قانونيّ آخر. لم تتمّ محاكمة الإسرائيليّين الذين أخلّوا بأمر تنفيذ الإخلاء وأمر ترسيم الحدود بتاتًا، هذا في حال تمّ التحقيق في هذه المخالفات أصلاً. بذريعة تنفيذ القانون، اختار القائد العسكريّ وعناصر تطبيق القانون الاستمرار في الإساءة لأصحاب الأراضي وانتهاك حقوق الملكيّة الخاصّة بهم.
يطالب الالتماس الذي قُدّم في نيسان بضمان حقوق الملكيّة لأصحاب الأراضي، وضمان وصولهم إلى الأراضي التي يملكونها بحريّة وبأمان، إن كان ذلك من خلال إلغاء أمر ترسيم الحدود أو من خلال استثناء أصحاب الأراضي من سريان الأمر عليهم. بالإضافة إلى ذلك، يطالب أصحاب الأراضي ومنظّمة “ييش دين” بتنفيذ أمر ترسيم الحدود وإخلاء البناء غير القانونيّ والدخلاء من المكان.
في 9 أيلول 2019 عقدت الجلسة الأولى لمناقشة الالتماس في المحكمة العليا. في 23.10.2019، وقّع قائد القيادة المركزية على تمديد سريان أمر ترسيم الحدود فيما يخصّ المنطقة، إلّا أنّه في إطار تمديد الأمر تمّ إلغاء البند الذي ينصّ على حظر الدخول والإقامة. لا يزال دخول الإسرائيليين إلى المنطقة محظورًا وفقًا لخطة فكّ الارتباط، لكن بموجب الأمر الجديد لترسيم الحدود، يُسمح للفلسطينيين بدخول الأرض. تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من الحظر، لا يزال هناك تواجد إسرائيليّ في المنطقة.
على مدى عامين تقريبًا ، حاولت الدولة مدّ وتأخير الوقت لتخرج المناقشات حول الالتماس عن مسارها ، حتى أعلنت في حزيران (يونيو) 2022 صراحةً أنه “يجب إخلاء المكان”. لم يتحدد موعد إخلاء البؤرة الاستيطانية غير القانونية المسماة “حومش”.
في 2 كانون الثاني (يناير) 2023 ، خلال الجلسة الخامسة للالتماس ، كررت الدولة عزمها على إخلاء البؤرة الاستيطانية في “حومش” وأبلغت المحكمة أنها تنوي “العمل على تسوية قانونية كاملة لمواصلة دراسة التوراة في اطار منطقة ‘حومش'”.
بعد جلسة الاستماع ، أصدر القضاة في المحكمة العليا أمرا مشروط (طلب نيسي) ينص على أن الدولة يجب أن تبرر في غضون 90 يوما لماذا لن يتم اخلاء المنطقة من البنية والمستوطنين الذين لا يملكون الأرض ولماذا لا تسمح الدولة لأصحاب الأرض الفلسطينيين لممارسة حقوقهم في الأرض دون تدخل.
في تاريخ 21.3.2023 ألغت الكنيست بنود من قانون “الإنفصال” بشكل يلغي منع دخول الإسرائيليين الى المكان الذي كانت تقع عليه مستوطنة “حومش”. مع ذلك، لم تغير هذه التغييرات بالقانون واقع بناء المستوطنة على أراضي فلسطينية بملكية خاصة، ولم تقم بتنظيم البؤرة الاستيطانية غير القانونية على هذه الأراضي.
في نهاية شهر أيار 2023، وخلافاً للقانون وبموافقة الحكومة، تم إزاحة البؤرة الاستيطانية “حومش” بعض مئات الأمتار عن مكانها السابق. تتواجد غالبية مساحة الموقع الجديد على أراضي دولة، لكن أصحاب الأراضي الفلسطينيين ما زالوا بخطر ويمنع منهم الوصول لأراضيهم وما زال نهب أراضيهم مستمراً بحكم الواقع.
في تاريخ 7.7.2023 وبعد الكثير من التأجيلات، قدمت الدولة ردّها بشأن أمر وقف التنفيذ. ادعت الدولة أن البناء غير القانوني الذي كان على الأراضي الفلسطينية الخاصة قد أزيل ولذلك لا مكان لتدخّل المحكمة في الإلتماس. اضافت الدولة، وأنه خلافاً للقانون وبموافقة الدولة، تمت إقامة مباني ثابتة لصالح مستوطنة “حومش” على قطع أراضي مجاورة مسجّلة كأراضي دولة. أضافت الدولة في ردها للمحكمة بأنها تنوي شرعنة وجود إسرائيلي ثابت في المكان.
رد الدولة هو مثال متكامل لتنفيذ سياسة الضم والفصل العنصري: تعاون المستوى السياسي مع أعمال إجرامية بهدف تأسيس المستوطنات الدائمة على أراضي قرية برقة ومن خلال التجاهل التام لحق أصحاب الأراضي الفلسطينيين بالإمتلاك.
في تاريخ 1.8.2023 قبيل جلسة إضافية كان يتوجب انعقادها في الالتماس، قدمت منظمة “ييش دين” باسم الملتمسين بياناً محدثًا للمحكمة، الذي ضُم إليه وبشكل استثنائي أيضًا تصريحين من قادة لواء المركز السابقين، نيتسان ألون وجادي شامني. نفى القوّاد المتقاعدان، اللذان توليا قيادة قوات الجيش في الضفة الغربية بالماضي، موقع الدولة من أساسه، وأكدا أن البؤرة الاستيطانية غير القانونية في حومش، حتى في موقعها الجديد، ستشكل عبئًا أمنيًا على الجيش وستمسّ بحقوق الملكية الخاصة للفلسطينيين وتقوّض حرية تنقلهم. بالإضافة، ادعى ألون وشامني أن التعليمات التي أوفدها السلك السياسي للجيش والتي سمحت بخرق القانون عن سبق الاصرار، هي عمل خطير يقود الى تسييس عملية تطبيق القانون ويقوّض سلطة القانون.
في اليوم التالي، أعلن قضاة المحكمة العُليا، أنهم “يدرسون امكانية الأمر بشطب الالتماس مع حفظ ادعاءات وحقوق الأطراف”. اعترض الملتمسون على اقتراح شطب الالتماس وأصرّوا على ادعاءاتهم مطالبين بتحويل الأمر مع قيد التنفيذ إلى أمر مطلق (أي ساري المفعول)، كي يتمكن الملاكون الفلسطينيون من اصحاب الأراضي، من استنفاذ حقوقهم وبلوغ أراضيهم دون مضايقة.
في اليوم ذاته، نشر قضاة المحكمة العُليا قرارًا بشطب الالتماس، وصادقوا عمليًا على إنشاء مستوطنة إسرائيلية جديدة على أراضي قرية بُرقة. أكّد القضاة في قراره أنه استجد تغيير بالوقائع عقب نقل موقع المدرسة الدينية (يشيفاه). صحيح أنهم أردفوا قائلين إن ادعاءات أصحاب الأراضي الفلسطينيين إزاء عدم شرعية الوضع الجديد لم تغب عنهم، إلا أنهم قرروا أنه ليس شأن الالتماس بحالته الراهنة. كما أمر القضاة بتعويض الملتمسين بقيمة التكاليف.
وبالتالي، بينما يدور نضال في نواحي اسرائيل للدفاع عن محكمة العدل العُليا كرمز من رموز الديمقراطية، أثبت القضاة أنه في الضفة الغربية لا حامٍ ولا قانون (أو على قول المثل: تشكي لمين وغريمك القاضي)، وأن المحكمة تعمل لمصلحة الفوقية اليهودية فحسب. هذا القرار المُعيب من قضاة المحكمة العُليا هو شهادة إضافية على جريمة نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) الإسرائيلي القائم في الأراضي المحتلة، والذي يُشرعن بختم من محكمة العدل العُليا.
وضع الالتماس: شُطب بقرار محكمة.