مرّت سنةٌ منذ أن أطلقت دولة إسرائيل حملة عسكريّة واسعة النطاق في قطاع غزة أسْمَتها “حملة حارس الأسوار”. وكان المُسوّغ من وراء هذه الحملة إطلاق تنظيمات فلسطينيّة مُسلّحة للصواريخ صوب مدن إسرائيليّة، الذي تواصل إلى حين إعلان وقف إطلاق النار بين الطرفيْن فجر يوم 21 أيّار/ مايو.
على مدار هذه الأيام الأحد عشر، قامت إسرائيل بقصف أحد أكثر الأماكن اكتظاظًا في العالم. وعلى غرار الاعتداءات العسكريّة الإسرائيليّة السّابقة على قطاع غزة، عمل الجيش على تطبيق سياسة متعمّدة وهدّامة بتدمير المنازل والعمارات السكنيّة. وجرى الاعتداء بحرًا وجوًّا وبرًّا على مئات المواقع في أرجاء قطاع غزة، من بينها بُنى تحتيّة مدنيّة، وأحياء وأبراج سكنيّة، ومدارس ومستشفيات.
وأشارت المعطيات التي نشرتها منظّمات حقوق إنسان إلى مقتل 151 مدنيًّا جراء القصف الإسرائيليّ، أكثر من ثلثهم من الأطفال، وغالبيتهم قُتلوا وهُم في بيوتهم. وأصيب أيضًا نحو ألفي شخص، غالبيتهم من الأطفال، فيما ظلّ عشرات آلاف الأشخاص من دون مأوًى جراء تهدّم آلاف البيوت بشكل كامل أو جزئيّ.
أثار الاعتداء الإسرائيليّ موجة من الانتقادات ضدّ إسرائيل، ودعا البعض إلى التحقيق بشبهات اقترافها جرائم حرب. ووفقًا لسياسات التحقيق القائمة في الجيش الإسرائيليّ، فإنّ الشبهات بانتهاك قوانين الحرب حُوّلت إلى “جهاز قيادة الأركان لتفحّص الأحداث الاستثنائيّة”، وهو جهاز ينحصر عمله في إجراء تقييمات حقائقيّة سريعة قبل اتخاذ قرار بفتح أو عدم فتح تحقيق في الحالات المفحوصة.
تتناول ورقة الموقف “يُحقّقون مع أنفسهم” نشاطات هذا الجهاز وعمله، استنادًا إلى المعطيات التي حوّلها الجيش لعناية ييش دين. وتشير نتائج واستخلاصات الورقة الأساسيّة إلى 84 حالة فقط نُقلت لفحص وعناية “الجهاز”، من أصل مئات الاعتداءات والهجمات الإسرائيليّة التي قُتل فيها و/أو جُرح مدنيّون في أثناء أيّار/ مايو 2021 في قطاع غزة. ومن بين الحالات التي حُوّلت إلى “الجهاز”، حالة واحدة فقط أدّت إلى فتح تحقيق للآن، فيما أُغلِقت 25 حادثة (نحو 30%) من دون فتح تحقيق بعد انتهاء الجهاز من عملية الاستيضاح والفحص.
بعد سنة من الاعتداء على غزة، ما يزال 69% من مُجمل الأحداث التي نُقلت لفحص الجهاز الاستيضاحيّ قيد الفحص، فيما لم يستكمل “الجهاز” الاستيضاح “السّريع” بخصوص 48 حادثة (57%)، وثمّة 10 أحداث أخرى موجودة قيد الفحص لدى النيابة ولم يُبتّ في مسألة إغلاق ملف التحقيق أو فتح تحقيق فيها (12%).
حقيقة أنّ نحو 70% من مُجمل الأحداث التي نُقلت لفحص الجهاز الاستيضاحيّ ما تزال قيد مسار الفحص أو فحص الجهاز أو بانتظار قرار المُدّعي بعد نحو سنة من العدوان الإسرائيليّ، تحمل تشكيكًا بقدرة أو رغبة إسرائيل بإجراء تحقيقات جديّة وفعّالة بخصوص الشُبهات بانتهاك قوانين الحرب أثناء “حملة حارس الأسوار”.
إنّ السياسات الإسرائيليّة الفتّاكة المتمثّلة في الاعتداء على البيوت والمنازل والعمارات السكنيّة في قطاع غزة، إلى جانب عدم قدرة جهاز القانون العسكريّ التحقيق بشكل لائق، تؤدّي مجتمعةً إلى خلق واقع خطير يُبقي سكّان قطاع غزة المحاصَر من دون أيّ حماية، ويُبقي حيواتهم مستباحة أمام الهجمات العسكريّة والاعتداءات الاعتباطيّة.