أحداث روتنيّة ومألوفة في الضفّة الغربيّة. والدافع الذي يقف من وراء هذه الممارسات العنيفة والإضرار بالمُمتلكات التي تُسمّى أحيانًا بـ “الإجرام الأيديولوجيّ”، هو استراتيجيّ. فالغاية من ورائها ترويع الفلسطينيّين وخلق تهديد حقيقيّ بغية تجريد الفلسطينيّين من أراضيهم، وتقليص حيّزهم الحياتيّ المُعاش.
سعيًا لتحقيق هذه الغاية، يُمارس مستوطنون وسائل مختلفة من العنف في الحيّز الخاصّ أيضًا: شوارع القرى، والمدارس، والمباني العامّة، وحتّى في منازل وبيوت السكّان. وتُشكّل البيوت والمباني المنعزلة، والمباني التي تقع بجوار المستوطنات والبؤر الاستيطانيّة غير المُرخّصة أو الشوارع الجانبيّة، أهدافًا ثابتة و”مواقعَ مُفضّلة” لإلحاق الأذى. تؤدّي أحداث الاعتداء وإلحاق الأذى بالمُمتلكات إلى أثمان يدفعها السكان الفلسطينيّون، منها أثمان جسمانيّة واقتصاديّة واجتماعيّة ونفسانيّة، وخصوصًا أنّ هذه الاعتداءات تشكّل جزءًا من ظاهرة آخذة في التوسّع والانتشار.
الجرائم الأيديولوجيّة التي اقترفها مستوطنون إسرائيليّون في داخل مناطق البلدات والقرى الفلسطينيّة في السّنوات الأخيرة، لا تُرتكب في معزل عن سياسات إسرائيل في الضفّة الغربيّة. وتشمل هذه السّياسات عددًا لا يُحصى من حالات المسّ بحقوق الفلسطينيّين، من خلال السّعي لتدعيم وتثبيت سيطرة إسرائيل على هذه المنطقة. كما أنّ ردود سلطات إنفاذ القانون الإسرائيليّة المترهّلة وضُعفها أمام هذه الجرائم، تشير كأقلّ ما يمكن إلى أنّ إسرائيل لا ترى في وقف هذه الظاهرة غايةً هامّة بشكل خاصّ، وقد نكون أمام أفعال تدفعها الدولة وتعزّزها بترحاب، حتّى لو لم يكن الأمر مُعلنًا وعلى الملأ.
يُحلّل هذا المستند ظاهرة الجُنح والجرائم التي يرتكبها مواطنون إسرائيليّون في داخل المناطق المأهولة والعمرانيّة في البلدات والقُرى الفلسطينيّة بالضفّة الغربيّة (مناطق B). وهو يستند إلى تحليل 63 حادثة وثّقتها ييش دين بين الأعوام 2017 – 2020، اُرتكبت خلالها ضدّ الفلسطينيّين جُنح عنف ومسٍّ بالممتلكات وإلحاق الأذى بالمساجد. ولا تشكّل هذه الأحداث الحصيلة الكاملة للجُنح والمخالفات التي ارتكبها مواطنون إسرائيليّون ضدّ فلسطينيّين في داخل القرى، بل هي مجرّد أحداث وثّقها باحثو ييش دين في الفترة المذكورة؛ فقد وقعت أحداث أخرى غيرها، وثمّة أحداث تجري اليوم أيضًا، بعضها توثّقه جهات ومنظمات أخرى، وبعضها لا يُوثّق البتة ويظلّ غائبًا عن الجمهور.
من بين 63 حادثًا وثّقتها ييش دين وتطرّقت إلى جُنح ومخالفات مواطنين إسرائيليّين في داخل القرى الفلسطينيّة، قُدّمت شكاوى للشرطة تخصّ 60 حادثًا منها. ومن ضمن هذه الشكاوى، انتهت التحقيقات الشُرطيّة في 38 ملفًا، لكنّ هذه التحقيقات الـ 38 لم تُفضِ إلى أيّ لائحة اتهام. إنّ الإخفاق الإسرائيليّ في الرّدع وإنفاذ القانون يجعل من الشّوارع والمساكن وأماكن العمل الخاصّة بالسّكان الفلسطينيّين، عرضةً للعنف الذي يبدر عن المستوطنين الذين يستخدمون الإجرام كأداة أيديولوجيّة.
تؤدّي هذه الإخفاقات في واقع الأمر إلى منح حصانة للجريمة الأيديولوجيّة لدى المستوطنين. والرسالة المنبعثة من كيفيّة وشكل أداء السّلطات الإسرائيليّة هي واضحة للجميع. وقد جرى تذويت هذه الرّسالة جيدًا لدى المُعتدين المستوطنين الذين يرون في هذا تصريحًا بالاستمرار بإفعالهم، ولدى الضحايا الفلسطينيّين أيضًا الذين يعرفون أنّهم مُهمَلون ولقمة سائغة، من دون أحدٍ يحميهم من الاعتداءات العنيفة.