تسيطر إسرائيل على الضفة الغربيّة منذ أكثر من 54 عامًا، بوساطة احتلال عسكريّ. وينصّ القانون الدَّوليّ على وجوب التزام إسرائيل بحماية سُكّان المنطقة الخاضعة للاحتلال. ويكتسب رصد ومتابعة معالجة الجرائم التي يرتكبها إسرائيليّون ضدّ فلسطينيّين في الضفّة الغربيّة أهميّة خاصّة، تنبع من أنّ هذه الجرائم يرتكبها مواطنو الدّولة المُحتلّة ضدّ السكّان الخاضعين للاحتلال.
تتطرّق ورقة المعطيات إلى التحقيقات الشُّرطيّة التي فُتحت في أعقاب جرائم ومخالفات ارتكبها مواطنون إسرائيليّون ضدّ فلسطينيّين بين 2005 وحزيران/ يونيو 2021. ومع انتهاء التحقيق، تُقرّر الشرطة والنيابة بخصوص تقديم لائحة اتهام أو إغلاق الملفّ.
في غالب المرّات، تُرتكب أعمال العنف وإلحاق الأذى بالمُمتلكات في المناطق التي يسعى مواطنون إسرائيليّون فيها للسيطرة على الأراضي، وإقصاء الفلسطينيّين عن أراضيهم. وثمّة غاية أخرى من عنف المستوطنين تتمثّل في بثّ الهلع والخوف والقمع والتشويش على روتين حياة الفلسطينيّين. وعلى هذا النّسق تلتئم جرائم منفصلة يرتكبها مواطنون أفراد لتصبح جريمة أيديولوجيّة مُمَنهَجة، تسعى لتوسيع حيّز السيطرة الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة.
يشير رصد ييش دين متعدّد السنوات إلى أنّ جهاز تطبيق القانون الإسرائيليّ يُخفق بشكل مَبنويّ ومُمنهَج في القيام بواجبه المفروض عليه وفق القانون الدَّوليّ، بحماية الفلسطينيّين من عنف المستوطنين. ويسمح غياب تطبيق القانون بمواصلة ارتكاب الجرائم الأيديولوجيّة في الضفّة الغربيّة، وبقيام إسرائيل بتطبيع ممارسة العنف ودعمه.
في إطار الرصد الذي تجريه ييش دين، فُحص حتى الآن 1,395 ملفّ تحقيق فُتحتْ منذ عام 2005 في لواء “شاي” التابع للشّرطة الإسرائيليّة وانتهت معالجتها، وذلك في أعقاب شكاوى قدّمها متضرّرون فلسطينيّون. وقد أُغلق 1,279 ملفًا مع انتهاء التحقيق فيها من دون تقديم لائحة اتّهام (92% من الملفات)، فيما لم تُقدّم لوائح اتّهام إلّا في 116 ملفًا (8% من الملفات).
يشير تحليل ملابسات إغلاق ملفات التحقيق إلى أنّ الشرطة أخفقت بالتحقيق في 81% من الملفات التي فُتحت منذ عام 2005، وأنّ معالجتها انتهت بنتيجة معروفة. وتشير نسبة الإخفاقات المرتفعة إلى وجود فشل بُنيويّ متواصل لدى وكالات تطبيق القانون في معالجتها للجريمة الأيديولوجيّة الموجّهة ضدّ الفلسطينيّين بالضفة الغربيّة. وفي المجمل، نرى أنّ نسبة الملفات التي فُتحت بخصوص الجرائم الأيديولوجيّة المرتكَبة ضدّ فلسطينيّين في الضفة الغربيّة منذ عام 2005، والتي أفضت في نهاية الأمر إلى إدانة المتمهين، بلغت 3% فقط (52 ملفًّا).
يُضاف إلى ذلك، أنّ المعطيات التي أوردتها الشرطة الإسرائيليّة لييش دين تُفيد بأنّ 732 ملفّ تحقيق فُتحت في لواء “شاي” بين 2018 – 2020، تركّزت في “أعمال شغب إسرائيليّة وجرائم قومويّة يهوديّة”. وكان المتضرّرون في نصف هذه الأعمال تقريبًا (369 ملفّ تحقيق) من الفلسطينيّين، فيما لم يكونوا من الفلسطينيّين في النصف الآخر تقريبًا من هذه الملفات (363 ملفّ تحقيق). وتتطرّق الملفات التي لم يكن المتضرّرون منها من الفلسطينيّين، وبشكل خاصّ، إلى جنح ومخالفات اُرتكبت ضدّ قوّات الأمن، والقليل منها يتطرّق إلى الإخلال بأوامر إداريّة وإلحاق الأذى بمواطنين إسرائيليّين وبأجانب (ناشطين).
في الحالات التي كان فيها المتضرّر فلسطينيًّا، قُدّمتْ 11 لائحة اتّهام (3% من مُجمل الملفّات)، لكن في الحالات التي لم يكن المتضرّر فلسطينيًّا قُدّمت 70 لائحة اتّهام (19%). أي أنّ احتمال أن تُقدّم سلطات القانون الإسرائيليّة لوائحَ اتهام ضدّ إسرائيليّ ألحق الأذى بأشخاص ليسوا فلسطينيّين في الضفة الغربيّة (أفراد قوّات الأمن وآخرين)، أعلى بستّة أضعاف من احتمال تقديم لائحة اتهام ضدّ إسرائيليّ ألحق الأذى بفلسطينيّ.
تشير المعطيات إلى وجود تعامل تمييزيّ في عمل سلطات القانون في الأراضي المُحتلّة. فجريمة يقترفها إسرائيليّ ضدّ غير الفلسطينيّ، تؤدّي إلى إجراء تحقيق حقيقيّ لدى الشرطة وإلى تقديم لوائح اتّهام؛ أمّا فيما يخصّ العنف المُوجَّه ضدّ فلسطينيّين، فإنّ جهاز تطبيق وإنفاذ القانون يعمل -كأقلّ ما يُقال- بشكل مُهمل، ولا يُقدّم الجناةَ للمحاكمة.
إنّ غياب تطبيق القانون والردع في وجه الجرائم الأيديولوجيّة التي يرتكبها إسرائيليّون ضدّ فلسطينيّين، يسمح بارتكاب جرائم إضافيّة تجاه سُكّان غير مَحميّين. ويُضاف إلى ذلك أنّ سياسة تطبيق القانون التي تنتهجها إسرائيل ضدّ عنف المستوطنين، تُبطل أيّ إمكانية ردع ضدّ المُجرمين، وتشير إلى أنّ إسرائيل شريكة في العنف المُوجَّه ضدّ الفلسطينيّين وهي مسؤولة عنه.