يحتّم القانون الإنساني الدولي وكذلك القانون الإسرائيلي على دولة إسرائيل إجراء تحقيقات مجدية في حال وجود شبهات حول انتهاك جنود في الجيش الإسرائيلي لقوانين القتال، وارتكابهم مخالفات ضد فلسطينيين، ولدى اللزوم يجب عليها أيضا محاكمتهم. ولكن على أرض الواقع يتمتع الجنود بحصانة شبه تامة رغم ارتكابهم مخالفات بحقّ فلسطينيين مواطني الضفة الغربية يُعتبرون “أشخاصًا محميّين” حسب القانون الدولي.
تختلف إجراءات الشروع بالتحقيق الجنائي ضد جنود في الجيش الإسرائيلي بشبهة ارتكاب مخالفات بحق فلسطينيين، عن الإجراءات في شبهات مماثلة ضد مدنيين إسرائيليين. شرطة التحقيقات العسكرية هي الجهة المسؤولة عن التحقيق الجنائي مع الجنود الإسرائيليين، غير أن هذه لا تشرع تلقائيا بالتحقيق على أثر تقديم شكوى، بل تُنقل الشكوى أولا للنيابة العامة العسكرية لتقرر إذا كان سيتم التحقيق فيها أم لا.
لا يقود كل بلاغ أو معلومات تتناهى إلى عِلم سلطات تطبيق القانون، إلى فتح تحقيق جنائي بالضرورة. ففي بعض الحالات يكفي التبليغ عن وقوع حادث ليبدأ التحقيق فيه، ولكن في حالات أخرى تلجأ النيابة العسكرية إلى إجراء فحص مسبق في الحادث، وفقط بعد الانتهاء منه يُتّخذ القرار بشأن الشروع بالتحقيق الجنائي.
تنصّ سياسة الشروع بالتحقيقات في الجيش الإسرائيلي، بشكل عام، على أنه في حال وجود شبهة حول وقوع مخالفة خلال عملية عسكرية، يتم اشتراط التحقيق الجنائي بإجراء فحص مسبق. وغالبًا، يعتمد الفحص على التحقيق الميداني الذي تجريه الوحدة الضالعة في الحادث المذكور، ولاحقًا تقرّر النيابة العامة العسكرية إذا كانت ستأمر بالتحقيق الجنائي.
الحالات الاستثنائية هي تلك التي تُسفر عن مقتل فلسطينيين. في عام 2011 حدّد النائب العسكري الرئيسي حينذاك، أفيحاي مندلبليت، بعد نضال طويل قادته منظمات حقوق الإنسان، أنه في كل حالة يتوفى خلالها فلسطينيون لم يشاركوا في القتال، يجب الشروع بالتحقيق الفوري في شرطة التحقيقات العسكرية، “إلا أذا كانت حالات الوفاة قد وقعت خلال عملية ذات صفة حربية خالصة”.
يخلق اعتبار الفحص العملياتي المسبق ركيزة للقرار بشأن الشروع أو عدم الشروع بالتحقيق، عدة صعوبات. فالهدف من الفحص هو استخلاص العبر العملياتية، وليس تحري المسؤولية الجنائية. منفّذو الفحوص العملياتية هم غالبا قادة عسكريون لم يتمّ تأهيلهم لإجراء تحقيقات. كما تبيّن في عدة حالات أن جنودا تعمّدوا الكذب في التحقيق لإخفاء تورّطهم أو تورّط زملائهم في حوادث تخلّلتها في الظاهر أعمال جنائية.
إجراءات التحقيق في شرطة التحقيقات العسكرية غير محدودة بسقف زمني ويمكن أن تستغرق سنوات حتى تحسم النيابة العسكرية العامة قرارها بشأن مصير القضية. وقد يؤدي هذا إلى عدم جمع أدلة من الميدان وفحصها في الوقت، وأيضا إلى وضع يكون فيه الجنود المشتبه بهم بارتكاب المخالفة، قد خرجوا من تحت طائلة القضاء العسكري. علاوة على ذلك، ليس في الجيش الإسرائيلي اليوم جسم واحد يركّز ويدير معالجة الشكاوى ويتابع وتيرة تقدّم إجراءات الفحص والتحقيقات.
لجنة طيركل التي تشكّلت في أعقاب حادث الأسطول البحري (مافي مرمرة) في أيار (مايو) 2010، فحصت منظومة الفحص والتحقيق في ادعاءات وشكاوى بخصوص انتهاكات قوانين القتال بموجب القانون الدولي. وقد حدّدت اللجنة أن هناك “إمكانية لإدخال تعديلات وتغييرات في منظومات الفحص والتحقيق، وأنه في بعض المجالات هناك إمكانية لإحداث تغييرات في السياسة المتّبعة”.
وقد تبنّت اللجنة بين سائر توصياتها، موقف “ييش دين” الذي ينص على أنه ليس من الجدير إناطة القرار بشأن فتح التحقيق بنتائج التحقيقات العملياتية. كما أوصت اللجنة بتحديد إطار زمني محدد وقصير للقرار بشأن الشروع بالتحقيق والمدة الزمنية القصوى لإجرائه.
غير أن لجنة تشخنوفر التي تشكّلت للتوصية على الخطوات العملية لتطبيق توصيات لجنة طيركل، نشرت في عام 2015 تقريرا امتنعت فيه عن التوصية بخطوات عملية ملموسة تتعلّق بالموارد البشرية والمالية اللازمة لتطبيق توصيات طيركل، وفي بعض التوصيات لم يتم تحديد الإطار الزمني ومراحل التنفيذ. دون التطرّق للجوانب العملية هذه، ستعجز الهيئات المختلفة عن استيعاب التوصيات مما يعني أنها ستبقى حبرًا على ورق لمدة طويلة.