ازدادت في السنوات الأخيرة، في الكنيست والإعلام ولدى الجمهور الإسرائيليّ، الأصواتُ التي تتحدّث عن “السيطرة الفلسطينيّة على الأراضي في مناطق C”. إلّا أنّ هذه الأصوات مغلوطة من الأساس، وهي تخالف الواقع الساري على الأرض وتُمثّل معتقدات تناقض القانون الإسرائيليّ والقوانين الدوليّة. تسعى ورقة “ما وراء الحدود” للتذكير وللتوضيح بما يخصّ الوضعيّة القانونيّة التي تقضي بأنّ مناطق C هي أراضٍ فلسطينيّة تقع تحت سيطرة الاحتلال العسكريّ الإسرائيليّ أسوةً بسائر مناطق الضفّة الغربيّة.

نشأ تقسيم الضفّة الغربيّة إلى مناطق A وB وC في إطار الاتفاقيّة الانتقاليّة الإسرائيليّة- الفلسطينيّة (اتفاقية أوسلو)، ليكون جزءًا من فترة انتقاليّة مُدّتها خمس سنوات، إلّا أنّ هذه التقسيمة ما تزال سارية منذ قرابة ثلاثة عقود. وتواصل إسرائيل السيطرة بالقوّة العسكريّة على مُجمل المناطق الخاضعة للاحتلال، وهي تستغلّ هذه التقسيمة التقنيّة للمناطق الثلاث بغية السيطرة على مساحات شاسعة في الضفة الغربيّة، وخصوصًا في مناطق C.

لم تُحدث الاتفاقيّة الانتقاليّة تغييرًا في الوضعيّة القانونيّة بما يخصّ السيادة على مناطق الضفّة الغربيّة. ورغم ذلك تتعامل إسرائيل مع منطقة C، التي تشكّل 60% من مساحة الضفّة الغربيّة، وكأنّها جزء لا ينفصل عن الدولة، وهي تبذل الجهود لتمويه حدودها.

تواصل إسرائيل إقامة وتوسيع المستوطنات والبؤر الاستيطانيّة ومزارع المواشي في الأراضي المُحتلّة، من خلال زيادة أعداد المستوطنين الهائلة وتعزيز سيطرتها على الأراضي. أمّا في المسار المُوازي، فإنّ الدّولة تبادر وتدفع صوب التغلغل القانونيّ والاقتصاديّ والثقافيّ المُمَأسس في الضفة الغربيّة. وتسعى إسرائيل من خلال هذه السُبل إلى إضافة السيطرة المدنيّة على السيطرة العسكريّة القائمة، ومن ثمّ إجراء ضمّ فعليّ لمناطق C.

وبالفعل، تحوّل الوجود الإسرائيليّ في الضفة الغربيّة مع الوقت إلى حضور واسع تزيد أهميّته بكثير عن مُجرّد جيش ومستوطنين. ويعرض التقرير أمثلة على مسار أسرلة الضفّة الغربيّة، ويُوضح كيف أنّ الدراسة في جامعة، أو زيارة لمُجمّع تجاريّ أو عرض موسيقي لبيري سخاروف في الأراضي المُحتلّة، ليست أفعالًا بريئة وساذجة، بل هي أفعال سياسيّة مُجنّدة.

كلّ وجود إسرائيليّ في مناطق C يساعد على تمويه الخط الأخضر الذي يفصل بين إسرائيل السياديّة وبين الأراضي المحتلة، ويُستخدم لتطبيع المشروع الاستيطانيّ غير القانونيّ في الضفّة الغربيّة. زدْ على ذلك أنّ العدد الذي لا يُحصى من الإسرائيليّين الذين يعبرون كلّ يوم من مناطق دولة إسرائيل دخولًا إلى مناطق C، يُعمّقون من التغلغل الإسرائيليّ في المناطق الفلسطينيّة المُحتلّة ويُعزّزون من الشرعيّة الجماهيريّة لذلك، مُحوّلين السلوك اللا-قانونيّ إلى سلوك معياريّ مقبول. مثل هذه الأفعال اليوميّة والاعتياديّة ظاهريًّا تُشرعن منظومات القمع والسيطرة في الأراضي المُحتلّة، وهي تنتهك أيضًا الحقّ بالمُلكيّة، والحقّ بحُرية الحركة والتنقّل، وأحيانًا الحقّ بالحياة- المكفولة كلّها للفلسطينيّين سكّان الضفّة الغربيّة.

تُخالف السياسة الإسرائيليّة القانون الدّوليّ والقانون الإسرائيليّ على حدّ سواء، واللذان ينصّان صراحةً على أنّ مناطق C هي أراضٍ خاضعة للاحتلال العسكريّ، على غرار سائر أراضي الضفة الغربيّة. تدعو ييش دين المجتمع الدّوليّ للتدخّل بغية وقف نهج الأسرلة المُمَأسسة لمناطق C، والتي تُلحق انتهاكات جسيمة بحقوق الإنسان المكفولة للفلسطينيّين أبناء المكان.