منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967 تنتهج إسرائيل سياسة متغيّرة ومضلِّلة بكل ما يتعلّق بالمواقع الأثرية العديدة المنتشرة في أنحاء الضفة. من الجدير التأكيد على أن معظم القرى الفلسطينية في الضفة الغربية قائمة على مواقع أثرية أو محاذية لها، وغالبًا ما تشكّل هذه القرى امتدادا سكانيا يعود إلى مئات وحتى آلاف السنين.
إلى جانب انعدام السياسة الواضحة والشفافة، تعمل إسرائيل على تقليص إمكانيات تطوير القرى الفلسطينية والحدّ من قدرة المزارعين الفلسطينيين على الوصول إلى أراضيهم، بما في ذلك من خلال الإعلان عن مواقع ومتنزّهات أثرية وحدائق وطنية، ونقل صلاحيات إدارة هذه المواقع للمجالس الإقليمية الإسرائيلية في الضفة، وحتى لجهات خاصة. ويأتي هذا ضمن محاولة متواصلة لتأسيس وتعزيز الرواية اليهودية-الإسرائيلية، وطمس الصلة الفلسطينية بهذه المواقع والتقليل من معناها بالنسبة للتراث التاريخي والحضاري الفلسطيني.
تعمل منظّمتا “ييش دين” و”عمق شبيه” على جمع معلومات وإجراء مسح لمواقع التنقيب الأثري الذي تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية منذ احتلالها، وفحص مدى تأثير الإعلان عن هذه المواقع كمواقع أثرية على إمكانية وصول الفلسطينيين إلى هذه المواقع أو إلى أراضيهم المجاورة. وتشتمل المعلومات التي يتمّ جمعها على المكتشفات الأثرية، والجهات التي موّلت ولا تزال تموِّل أعمال التنقيب الأثري، كما تتضمّن تفاصيل الأماكن التي يتمّ فيها تخزين الموجودات الأثرية. الهدف من هذا النشاط هو فحص ما إذا كانت إسرائيل، بوصفها دولة احتلال، تفي بواجباتها وفق القانون الدولي الإنساني.
كما تنشط “ييش دين” و”عمق شبيه” في سبيل تمكين المدنيين الفلسطينيين المحليّين ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني، وذلك من خلال التعاون وتبادل المعلومات، والإعانة القضائية في مجال إتاحة وصول الفلسطينيين للمواقع الأثرية والحفاظ على إمكانيات تطوير القرى الفلسطينية.
كجزء من النشاط المكرّس لإتاحة وصول الفلسطينيين للمواقع الأثرية، والحيلولة دون أن تؤدي إدارة هذه المواقع إلى شطب التاريخ الفلسطيني لهذه الأماكن، التمست “ييش دين” و”عمق شبيه” إلى محكمة العدل العليا عدة مرات، طلبًا بأن تمنع المحكمة إقصاء المدنيين الفلسطينيين عن المواقع الأثرية وطمس روايتهم التاريخية في شأنها.
بين المواقع الأثرية التي تعمل فيها السلطة الإسرائيلية على طمس التاريخ غير اليهودي الذي شهدته المنطقة لسنوات طويلة، نحصي مثلا تل شيلو أي خربة سيلون الواقعة شمال قرية ترمسعيا وغرب مستوطنة شيلو، وتقع داخل منطقة النفوذ البلدي للمستوطنة، ولكن على أراض فلسطينية خاصة؛ قناة البيار غرب مستوطنة إفرات والتي يتمّ الترويج لها من قبل المجلس الإقليمي جوش عتصيون على أنها “الدرب التاريخي إلى أرض إسرائيل”؛ تل علميت وهو موقع قائم على أراضي القرية الفلسطينية عناتا، ولكنه خاضع لمنطقة نفوذ مستوطنة عناتوت.