تمنع إسرائيل منذ 42 عامًا سكّانَ قرية بُرقة المجاورة لنابلس، من الوصول بحُرّية إلى أراضيهم الخاصّة التي شُيّدت عليها مستوطنة حومِش. وتتطرّق ورقة “عالم معكوس” إلى نضال أهالي بُرقة للعودة إلى أراضيهم، بمرافقة من ييش دين منذ نحو عقدٍ كامل.

في مطلع عام 1978 أصدر القائد العسكريّ الإسرائيليّ في الضفّة الغربيّة أمرَ استيلاء لغايات “أمنيّة” على أراضٍ خاصّة ومُنظّمة تابعة لسُكّان بُرقة. في المنطقة التي خصعت لأمر الاستيلاء أقامت إسرائيل مُستَمسَك “ناحَل” الاستيطانيّ. وعلى مرّ 25 سنة سكن في هذه المستوطنة بضع عشرات من العائلات الإسرائيليّة، إلى أن قامت إسرائيل عام 2005، وكجزء من خطّة فكّ الارتباط، بإخلاء مستوطنة حومِش وسنّ قانون يمنع الإسرائيليّين من الدخول إلى تلك المنطقة، والذي ما يزال ساريًا لليوم.

لم تُبطل إسرائيل بعد إخلاء المستوطنة أمر الاستيلاء العسكريّ، وواصلت منع أصحاب الأراضي الفلسطينيّين من الوصول إلى أراضيهم. عِقد من المسارات القضائيّة التي لم تنتهِ بعد، أدّى إلى نشوء وضعيّة قانونيّة تسمح للفلسطينيّين بالوصول إلى أراضيهم التي كانت تقوم عليها مستوطنة حومِش من دون قيود، فيما يُمنع الإسرائيليّون من دخول هذه المنطقة.

لكنّ الوضعيّة على أرض الواقع تختلف تمامًا؛ “عالم معكوس” كما سمّته المحكمة العليا: مستوطنو “يشيڤات حومِش المُتجدّدة” وإسرائيليّون آخرون يدخلون المنطقة ويمكثون فيها حتى في أيّامنا هذه، من دون أيّ مضايقات وخلافًا للقانون. في المقابل يُمنع الفلسطينيّون من الوصول إلى أراضيهم الخاصّة، إمّا بسبب حظر التنقّلات الاعتباطيّ الذي يفرضه الجيش على المزارعين، وإمّا لعنف المستوطنين الذي يزرع الهلع ويمسّ ويشوّش حياة سكّان القرى الفلسطينيّة في الجوار.

يهدف عنف المستوطنين الأيديولوجيّ إلى السيطرة على الأراضي وإبعاد المزارعين الفلسطينيّين عن أراضيهم. ولا يأتي هذا العنف من فراغ؛ فهو يتلقّى التشجيع والدفع من تجنّد قوى سياسيّة ومنتخبي جمهور رفيعي المستوى، بعضهم يحظى بتمويل الدولة، الذين يحضرون إلى المستوطنة التي أخليت، خلافًا للقانون وبالعلن، ويدعمون المستوطنين الذين يمكثون على أراضٍ فلسطينيّة خاصّة، ما يُوفّر الشرعيّة لارتكاب الجنح والمخالفات الجنائيّة.

ثمّة حضور غير قانونيّ للمستوطنين في منطقة أمر الترسيم، وبناء غير قانونيّ على أراضٍ فلسطينيّة خاصّة، وعنف يُمارَس ضدّ الفلسطينيّين وضدّ ممتلكاتهم، وهذه الممارسات كلّها لا تدفع الجيش أو الشرطة لاتّخاذ تدابير ناجعة في محاولة لوقفها. زدْ على ذلك أنّ سلطات إنفاذ القانون لا تقوم في الغالبيّة السّاحقة من الحالات، بتقديم المستوطنين المخالفين للمُحاكمة، وهي بذلك تبثّ لهم رسالة بأنّهم مُحصّنون أمام القانون، الأمر الذي يسمح لهم بمواصلة اقتراف ما يقترفونه من دون خوف.

رغم جهود المنظومة الإسرائيليّة كلّها، ورغم الوضع العبثيّ القائم على أرض الواقع، إلّا أنّ أصحاب الأراضي الفلسطينيّين من قرية بُرقة يواصلون نضالهم العبثيّ، في محاولة لصدْع واختراق النهج الكولونياليّ الإسرائيليّ، والعودة بحرّيّة تامّة إلى الأراضي التي سُلبت منهم، وممارسة حقّهم بالملكيّة وحقّهم بحريّة التنقل وحقّهم في التكسّب وحريّة العمل.