قدّمت لجنة زندبرچ التقرير التلخيصيّ لعملها إلى رئيس الحكومة يوم 15/2/2018. ويسعى التقرير لمنح الحكومة أدواتٍ لغرض تأهيل وشرعنة عشرات البؤر غير المرخّصة والأحياء التي شُيّدت خلافًا للقانون، وذلك بأثر رجعيّ. ولغرض تطبيق التقرير عيّن المجلس الوزاريّ المصغّر للشؤون السياسيّة والأمنيّة طاقمًا برئاسة ݒنحاس ڤلرشطاين، مهمّته العمل على تطبيق توصيات لجنة زَندبِرچ في غضون ثلاث سنوات.
تستعرض ورقة زمن “التسوية” وتحلّل أهمّ ما جاء في مُبرزات تقرير زندبرچ بخصوص الصعوبات التي تواجه “تسوية” البناء غير المرخّص، وتوصيات اللجنة بخصوص كيفيّة تجاوز هذه الصعوبات وشرعنتها بأثر رجعيّ. وتشتمل الورقة على شروحات وتحليلات لمصطلحات مثل “السّوق المفتوحة” والتوحيد والتقسيم والمصادرة وغيرها، وهي جميعها “حلول قانونيّة” يجري فحصها في سياق “التسوية”.
وإلى جانب استعراض وتحليل توصيات اللجنة، تعرض هذه الورقة تقديرات بخصوص عدد البؤر والمباني التي يتطرّق إليها التقرير من دون أن يُعدّدها، والخطوات التنفيذيّة التي سبق واُتخذت إلى جانب إسقاطات تطبيق التوصيات الواردة في التقرير. زدْ على ذلك أنّ هذه الورقة تتطرّق إلى أهميّة تقرير زندبرچ وإلى الفوارق بينه وبين “قانون التسوية”.
يتلخّص المدلول الحقيقيّ لكلمة “التسوية” التبييضيّة في انتهاك حق الملكيّة المكفول للفلسطينيّين، والتسليم مع أعمال النهب (حتى في الحالات القليلة التي يُنهب فيها من دون قصد) وسلب أصحاب الأراضي. البؤر الاستيطانيّة والأحياء التي يقترح التقرير تسويتها شُيّدت قبل سنوات، من خلال السيطرة غير القانونيّة على الأراضي الفلسطينيّة وانتهاك حقّ الملكيّة المكفول لأصحاب الأراضي الفلسطينيّين. وحتى فترة غير بعيدة حافظت إسرائيل –ولو من باب رفع العتب- على واقعّ قانونيّ يعتبر الأماكن التي أقيمت من دون ترخيص ومن خلال انتهاك القانون وسلب الأراضي الخاصّة، أماكنَ غير قانونيّة، مع حفظ الحقّ الرسميّ والقانونيّ لأصحاب الأراضي الفلسطينيّين (نظريًّا)، حتى لو كانت حقوقهم (الفعليّة) قد اُنتهكت انتهاكًا جسيمًا أو أنّها انتفت نهائيًا. والآن تسعى الدولة لمَأسَسة هذا السلب وتطبيعه وإضفاء مكانة قانونيّة عليه. وبهذا، فإنّ سلطات الدولة تمنح بوساطة “التسوية” جائزة لكلّ من سلب أراضيَ ليست له وبنى فوقها، من خلال انتهاك القانون بشكل صارخ.
جهود “التسوية” التي تقودها الحكومة الإسرائيليّة لا تشمل الشرعنة بأثر رجعيّ لمُجمل المباني التي شُيّدت خلافًا للقانون في الضفّة الغربيّة. وهي تتطرّق إلى البناء الإسرائيليّ فقط، وبذلك تضفي مدماكًا آخر على التمييز –الصارخ أصلًا- ضدّ الفلسطينيّين سكّان الضفّة الغربيّة، في كلّ ما يخصّ تخصيص الأراضي والتخطيط والبناء.
يتّضح من تحليل التقرير والخطوات المُتّبعة الآن، أنّنا دخلنا مرحلة جديدة، سيجري فيها وفي غضون فترة قصيرة تبييض الغالبيّة الساحقة من البؤر الاستيطانيّة، وستُعتبر مستوطنات رسميّة بنظر الحكومة الإسرائيليّة:
- من المتوقع بحسب توصيات لجنة زندبرچ شرعنة 99% من البؤر غير المرخّصة بأثر رجعيّ، وذلك خلال سنتين أو ثلاث. ونحن نتحدّث هنا عن قرابة 70 بؤرة غير مرخّصة لم تُشرعَن بعد (ستنضمّ إلى قرابة 30 بؤرة جرت شرعنتها بالفعل)، وعن قرابة 7,000 مبنًى غير قانونيّ في المستوطنات والبؤر الاستيطانيّة.
- الطاقم التنفيذيّ برئاسة ݒنحاس ڤلرشطاين والذي يعمل بالتعاون مع وزارة الأمن ووزارة القضاء والإدارة المدنيّة، بدأ فعلًا بالعمل على تطبيق توصيات التقرير وعلى دفع مسارات “التسوية” قُدمًا. وفي إطار هذه التدابير جرت بلورة قاعدة بيانات شاملة ومفصّلة لكلّ المباني غير القانونيّة والبؤر الاستيطانيّة التي تسعى الحكومة “لتسويتها”، ولسُبل “التسوية” المتوقّعة.
- على ما يبدو فإنّ تدابير “التسوية” الأولى التي من المتوقّع أن تدخل حيّز التنفيذ هي تبييض 3,000-2,700 مبنًى شُيّدت على أراضٍ فلسطينيّة خاصّة، في أعقاب أخطاء جعلت الدولة تعتقد أنّ الحديث يدور عن أراضٍ عامّة وبالتالي تخصيصها للمستوطنات. وستُطبّق هذه “التسوية” عبر استخدام مبدأ “السوق المفتوحة”، سواء شُيّدت المباني وفقًا لخرائط هيكليّة وتصاريح بناء أم لا، وسواء دُفع ثمن الأرض أم لا.
- كجزء من سياسة “التسوية” وتطبيق التقرير، فمن المتوقع أن تعلن الدولة عن إقامة نحو 20 مستوطنة جديدة. ونحن نتحدّث هنا عن بؤر استيطانيّة غير مرخّصة لا يمكن “تسوية” مكانتها كأحياء في مستوطنات مُرخّصة، ولم تعثر الدولة على أيّ حلّ يُفضي إلى “تسويتها”.
يُقدّم تقرير لجنة زَندبِرچ العونَ لمشروع عنصريّ يتمحور في سلب أراضي الفلسطينيّين، على خلفيّة إثنيّة. فلغته التبييضيّة والغطاء القانونيّ الذي يختبئ تحته لا ينجحان في إخفاء حقيقة أنّ تقرير “لجنة التسوية” هو في واقع الأمر تقرير مصادرة، يمنح الحكومة أدوات إضافيّة لتطبيع وتعميق التشويه الذي أنتجته سياسة الاستيطان الإسرائيليّة: ففي الضفة الغربيّة يعيش إسرائيليّون يتمتّعون بحقوق فائضة، ويعيش إلى جانبهم فلسطينيّون يحيون تحت الحُكم العسكريّ، وفي ظلّ السلب والقمع المتواصليْن.