يمتدّ طموح دولة إسرائيل بالسيطرة على أراضي الضفّة الغربيّة على طول سنوات الاحتلال، الذي يتواصل منذ ما يزيد عن 54 سنةً. وقد استند انتشار إسرائيل الكولونياليّ في الأراضي المحتلّة حتى الآن -بالأساس- على المستوطنات والبؤر الاستيطانيّة غير القانونيّة. أمّا في السنوات الأخيرة فقد بدأت إسرائيل بتعزيز الاستيطان عبر مزارع المواشي أيضًا.

أنشأ إسرائيليّون بين 2017 – 2021 أكثر من 50 مستوطنة أفراد جديدة في الضفّة الغربيّة، كان من بينها ما لا يقلّ عن 35 مزرعة ماشية.  يتطرّق تقرير “رُعاةٌ في مراعي غيرهم” إلى مَزارع المواشي التابعة للمستوطنين، والتي تُقام وفق هدفها المُعلن للسيطرة على مئات آلاف الدونمات من الأراضي في المناطق المُحتلّة. ودولة إسرائيل شريكة في إنشاء هذه المَزارع وهي مسؤولة عن نتائجها.

لقد أقيمت كلّ مزارع المواشي الإسرائيليّة في الأراضي المحتلّة من دون اتخاذ دولة إسرائيل لقرار رسميّ بذلك، ومن دون تصاريح بناء، وهي كغيرها من سائر المستوطنات والبؤر الاستيطانيّة في الضفّة الغربيّة تنتهك القانون الدَّوليّ. رغم ذلك، تدعم إسرائيل مَزارع المواشي التي يُنشئها المستوطنون، وهي تمنحهم مُحاصصات أراضٍ حصريّة لغايات الرّعي، إلى جانب الهِبات الماليّة والمساعدات المتعلّقة بالبُنى التحتيّة. وتتحَصّل هذه المساعدات مباشرة عبر الوزارات الحكوميّة أو بوساطة جهات مختلفة تتموّل هي الأخرى من الخزينة العامة.

تكون المَزارع مأهولة في غالب المرّات بعائلة شابة تحوي عددًا قليلًا من الأفراد، مع عدّة متطوّعين. ويسيطر المستوطنون على أراضٍ شاسعة بوساطة تشييد المباني، ورعي المواشي في مساحات ضخمة، وتملُّك مصادر المياه، واللجوء في أحيان كثيرة إلى العنف الموجّه ضدّ الفلسطينيّين المقيمين في المكان.

مستوطنو المَزارع يحملون الأسلحة، وبعضهم يقود التراكتورونات والخيول أو أنّهم يتساعدون بالكلاب الضارية والمُسيَّرات. وهم يعتدون على الفلسطينيّين اعتداءات جسديّة مباشرة، ويُهدّدونهم ويقتحمون بيوتهم، ويقتلون ويجرحون الحيوانات، ويُتلفون المُمتلكات، ويُلحقون الأضرار بالحقول والمحاصيل ويسيطرون على مصادر المياه.

وعلى غرار ما يحدث في أرجاء الضفة الغربيّة كلّها، لا تقوم أذرع القانون الإسرائيليّة بأيّ جهد فعّال بغية وقف الانتهاك المتواصل للقانون من طرف المستوطنين: فجنود الجيش الإسرائيليّ لا يمنعون عنف الإسرائيليّين ضدّ الفلسطينيّين- لا بل أنّهم يساعدونهم في بعض الأحيان؛ والإدارة المدنيّة تغضّ البصر عن البناء غير القانونيّ الذي يُنجزه المستوطنون، والشرطة والنيابة لا تقاضي الإسرائيليّين الذين ينتهكون القانون ويُلحقون الأذى بفلسطينيّين وممتلكاتهم. وهكذا نرى أنّ عدم قيام السلطات بتطبيق وإنفاذ القانون يقضي على أيّ امكانية لردع الجُناة، ويُشكّل دعمًا وتعزيزًا لجنح أخرى يقترفها المستوطنون.

يعرض تقرير “رُعاةٌ في مراعي غيرهم” المُعتقد الإسرائيليّ الذي يُفيد بأنّ الأراضي في الضفّة الغربيّة التي يرعى فيها رُعاة مستوطنون مواشيهم، هي أراضٍ تحت السّيطرة اليهوديّة وهو الأمر الذي يضع هذا المعتقد في مواجهة منظومة القوانين السّارية في الأراضي المُحتلّة. يتناول هذا المستند بتوسّع سُبل وطرق عمل المستوطنين في مزارع المواشي، ابتداءً من البناء والتوسّع والاقتحام وانتهاءً بمُمارسة العنف، كأدوات لطرد الرُعاة والمزارعين الفلسطينيّين من أراضيهم، إلى جانب أنّه يُحلّل كيف أنّ هذه الممارسات هي غير قانونيّة وتُلحق انتهاكًا جسيمًا بحقوق الإنسان المكفولة للفلسطينيّين. ويحوي هذا التقرير شهادات شخصيّة من فلسطينيّين لحقهم الأذى بشكل مباشر من مزارع المواشي التي أنشأها مستوطنون في الضفّة الغربيّة.

ويكشف الجزء الأخير من التقرير أنّ الحكومة الإسرائيليّة استخدمت منذ 40 سنة آلية تخصيص أراضي الرّعي كخطوة استباقيّة لغرض تشييد المستوطنات في الأراضي المُحتلّة. وننشر هنا لأوّل مرّة وثائقَ ومستنداتٍ أرشيفيّة نقوم بمقارنتها بالخرائط المُحدّثة، والتي تشير إلى المخطّط الإسرائيليّ منذ مطلع سنوات الثمانين ونتائجه ومُخرَجاته على أرض الواقع اليوم. ويُشير تحليل الخرائط إلى أنّ إنشاء مَزارع المواشي ليس إلّا خطوة أولى بغية الاستيلاء واسع النطاق على الأراضي، بنيّة توسيع المشروع الاستيطانيّ الإسرائيليّ في الأراضي المُحتلّة.

يثبت تقرير “رُعاةٌ في مراعي غيرهم” أنّ مزارع المَواشي تشكّل أداة بيد إسرائيل لإحداث تغيير كبير وبعيد الأمد على خارطة الاستيطان الإسرائيليّة في الأراضي المُحتلّة. وتُلحق هذه السّياسة الإسرائيليّة انتهاكًا جسيمًا وواسعًا لحقوق الإنسان المكفولة للفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة، ومن الممكن أن تؤدّي إلى عمليات طرد على خلفيّة إثنيّة، وسلب أراضي الكثير من الجماعات الفلسطينيّة.

لقد مرّت 54 سنة وإسرائيل تواصل توسيع الاستيطان الكولونياليّ غير القانونيّ في الضفّة الغربيّة. منظمة ييش دين تدعو المجتمع الدَّوليّ للتدخل لوقف إسرائيل عن إنشاء ودعم مَزارع المواشي، التي تُلحق انتهاكات مُتأصّلة بحقوق الإنسان المكفولة للفلسطينيّين، كما تفعل سائر المُستوطنات والبؤر الاستيطانيّة. يجب على دول العالم ضمانُ التزام إسرائيل بالتصرّف ضمن إطار واجبها الملقيّ عليها، بحماية السكّان الفلسطينيّين في مناطق الاحتلال العسكريّ، كما يُلزم القانون الإسرائيليّ والقانون الدَّوليّ.