يشعر غالبيّتنا بالأمان في بيوتنا. ومع حلول الليل نُوصد باب البيت الذي نجتمع فيه مع أفراد عائلتنا، ونحن على يقين بأنّنا محميّون من العالم الخارجيّ. نحن نُدرك بأنّ بابنا المغلق يمنع دخول أيّ شخص إلى منطقتنا الحميميّة من دون إذننا، وهذا يبعث فينا الرّاحة والاسترخاء اللذيْن نشعر بهما في البيت.
الفلسطينيّون الذين يعيشون تحت الاحتلال في الضفّة الغربيّة مُعرَّضون طيلة الوقت للاقتحامات التعسّفيّة التي تقوم بها قوّات الأمن الإسرائيليّة لبيوتهم، وللانتهاكات الجسيمة الناجمة عن ذلك. تُشكّل اقتحامات الجيش الإسرائيليّ لبيوت الفلسطينيّين في الضفّة جزءًا لا ينفصل عن روتين الحياة تحت الاحتلال، وعن منظومة السّيطرة على السُّكّان الفلسطينيّين. وإلى جانب عدد من المُمارسات التي تُميّز السيطرة العسكريّة الإسرائيليّة على الضفّة الغربيّة، فإنّ الأذى الذي تُلحقه عمليّة الاقتحام بالبيت هو صعب جدًّا، لأنّه يسلب الأفراد والعائلات والمجتمعات المحليّة الأمانَ الأساسيَّ لديهم بأنّ بيتَهم هو حصنُهم.
يمنح البيتُ ساكنيه الشعورَ بالهُويّة والأمان. والسيطرة على ما يحدث فيه هي شرط أساسيّ لتحقيق حُريّة الإنسان، وتكاد تكون بأهميّة سيطرة الإنسان على جسمه. لذلك، فإنّ دخول مُمثّلي السّلطة القسريّ إلى البيت يُشكّل انتهاكًا جسيمًا لكرامة وحُريّة وخصوصيّة الإنسان. وعليه، فإنّ كلّ المناهج القضائيّة التي تحترم حقوق الإنسان تفرض على السُلطات الحاكمة قيودًا كبيرة تسعى لتقليص استخدام هذا النوع من العمليّات قدرَ الإمكان، وحماية الفرد من الأذى.
لكنّ الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة لا يتمتّعون بمثل هذه الحماية: فإسرائيل لا تُقيّد اقتحام بيوت الفلسطينييّن ولا تحصره في ضمن الحالات الاستثنائيّة، التي يتحقّق فيها وجود شُبهة عينيّة تجاه شخص ما، ولذلك فإنّ اقتحام بيته ضروريّ لإبطال التهديد النابع منه. ويُضاف إلى ذلك أنّ التشريعات العسكريّة السّارية على الضفّة الغربيّة لا تشترط اقتحام البيت بوجود أمر صادر عن قاضٍ، يُؤكّد ضرورة الدخول إلى حيّز الفرد الخاصّ. وبذلك، فإنّ هذه التشريعات تُبقي الفلسطينيّين مُعرّضين طيلة الوقت للاقتحامات التعسفيّة لبيوتهم.
في كلّ ليلة تقريبًا يدهم جنود إسرائيليّون مُسلّحون البيوتَ، ويُوقظون النساء والرجال والأطفال، ويقومون بعمليّات مختلفة في داخل بيوت السُّكان الفلسطينيّين. وتفيد معطيات الأمم المتّحدة بأنّ مثل هذه الاقتحامات يزيد عددها عن مئتي اقتحام في الشهر. وإلى جانب الأذى اللاحق بالأطفال والعائلات في أعقاب هذه الاقتحامات، فإنّها تُشكّل وسيلة لغرض قمع الفلسطينيّين وتخويفهم، وتعزيز السيطرة عليهم.
التقرير الذي بين أيديكم هو نتاج مشروع مشترك لمنظمات “ييش دين” و”أطباء لحقوق الإنسان” و”كسر الصمت” (شوﭬريم شتيكاه)، الذي بدأ عام 2018. وهو يعرض مسألة اقتحام بيوت الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة (من دون القدس الشرقيّة) وإسقاطاتها، إلى جانب ترسيم تعليمات التشريعات العسكريّة التي تُنظّم هذه الممارسات وتُمكّن حدوثها. ويُشكّل هذا التوصيف الأرضيّة اللازمة لتحليل سياسة اقتحام بيوت الفلسطينيّين في مقابل أحكام القانون الدوليّ، التي تُحدّد وتُعرّف واجبات إسرائيل كقوّة احتلاليّة في الضفّة الغربيّة، وللكشف عن كيفيّة انتهاك هذه السياسة لهذه الأحكام المذكورة بفظاظة وغلاظة.
جمعت “ييش دين” 158 شهادة من رجال ونساء فلسطينيّين اقتحم الجنود بيوتهم، حيث اُستخدمت هذه الشهادات كأساس لتوصيف المُميّزات الأساسيّة لهذه الممارسات؛ وأجرت منظّمة “كسر الصّمت” 45 مقابلة (اختيرت من ضمن 80 مقابلة كعيّنة تمثيليّة) مع جنود وضُبّاط، ما سمح باستكمال المعلومات المتعلّقة بسير الاقتحامات، إلى جانب التعرّف إلى الأوامر الممنوحة للجنود الذين يقومون بهذه الاقتحامات، وإلى الغايات من ورائها؛ وثمّة 31 مقابلة أجرتها منظمة “أطباء بلا حدود” مع فلسطينيّين اقتحم جنودٌ بيوتهم، ساعدت في تبيُّن الإسقاطات الصعبة التي تُخلّفها هذه الظاهرة على الصحّة النفسانيّة لدى الأفراد والعائلات والمُجتمعات الأهليّة.