الصلة الى الأرض ومحصولها، والى شجرة الزيتون بشكل خاص، هي جزء لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية. أهمية الزيتون تنبع بشكل أساسي كونه مصدر دخل أساسي في المجتمع الفلسطيني، وبالأخص في المجتمع الفلسطيني الموجود في الضفة الغربية. على مر السنين أصبح الزيتون بأوراقه وأغصانه رمز قومي.

 في كل سنة يواجه الشعب الفلسطيني موجات من العنف، سرقة محصود وبتر شجر خلال موسم قطف الزيتون. عنف المستوطنين وتخريب بالممتلكات يحدثون بشكل استمراري وليس فقط خلال موسم الزيتون. نتيجة لهذا العنف والتخريب أصبح الدخول للأراضي الزراعية امر محدود وصعب: في بعض الأراضي الدخول محظور بشكل رسمي من قبل الجيش الإسرائيلي من دون تنسيق سابق. في الأراضي الأخرى يخاف الفلاحون الفلسطينيون من الدخول بحُرّية بسبب عنف المستوطنين. عدم القدرة على الوصول الى الأراضي الزراعية أدت الى زيادة تعلق الفلاح الفلسطيني بشجرة الزيتون لأن هذه الشجرة لا تتطلب عناية مكثفة مقارنة بأشجار أخرى.

اشجار زيتون قطعها مستوطنين اسرائيليين في قرية مغير. أكتوبر 2021. مصدر: مجلس مغيّر

في اعقاب تزايد حالات العنف قرر الجيش الإسرائيلي ان ينشئ “آلية التنسيق” التي بحسبها يتيح الجيش الاسرائيلي الدخول الى الأراضي الزراعية مرتين في السنة – من اجل حرث الأرض في الربيع ومن اجل قطف الزيتون في الخريف. يجب على الفلاحين الفلسطينيين تقديم طلب للدخول مع تنسيق، ويجب على الجيش ان ينسق لهم أيام محددة للدخول بمرافقة جنود إسرائيليين الذين يتوجب عليهم حماية الفلسطينيين خلال القطف.

من المفترض على “آلية التنسيق” ان تمنع العنف وتدمير الملكيات خلال موسم الزيتون، لكن في الواقع هذه الآلية تعمل ضد الفلسطينيين. أولاً، قطف الزيتون يستغرق وقتا معيناً والأيام المحددة والمنسقة لا تكفي لقطف تامة المحصول. ثانياً، الواقع في الأراضي الزراعية يكشف ان الجيش يفشل فشل تام في الحماية على الفلسطينيين. في العديد من الحالات لا يتواجد الجيش وقت وقوع جريمة، وفي حال كان موجود يمتنع الجنود عن التدخل وبذلك يحمون المستوطنين اللذين يتعدون على الفلسطينيين خلال قطف الزيتون. في بعض الحالات الجيش يهاجم على الفلسطينيين باستعمال قنابل ضوئية وغاز مسيل للدموع. أخيراً، اغلاق الأراضي الزراعية ومنع الفلسطينيين من الوصول اليها من دون تنسيق تتيح فرصة للمستوطنين حيث بإمكانهم دخول هذه الأراضي وسرقة جميع المحصول وتدمير الأشجار خلال أيام منع دخول الفلسطينيين. في غالب الحالات يدخل الفلاح ارضه مع الجيش ليرى دمار وزيتون مسروق من الاشجار.

مستوطنون يحرقون اشجار زيتون ويعتدون على منزل فلاح فلسطيني في بورين، اكتوبر 2021. مصدر: ييش دين

تلخيص موسم الزيتون 2021

المعطيات التالية تتضمن جرائم ارتكبت ضد فلاحين فلسطينيين وممتلكاتهم خلال موسم فقط الزيتون في عام 2021، بين التواريخ 1.10.2021 و15.11.2021. في قسم من الوقائع تم تقديم شكوى للشرطة الإسرائيلية، والطاقم القانوني في “ييش دين” يراقب ويتابع الإجراءات القانونية من قبل وكالات تطبيق القانون في إسرائيل.

من المهم ذكر ان منظمة “ييش دين” لم توثّق كل اعتداء حدث خلال موسم الزيتون، لذلك فإن هذا المقال يتطرق فقط الى الجرائم التي تم التبليغ عنها للباحثين الميدانيين في المنظمة. بالإضافة الى ذلك فإن المعطيات تتطرق فقط الى الجرائم المرتبطة بقطف الزيتون: هنالك العديد من الجرائم التي ارتكبت ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم في نفس الفترة لكنها لم تحصل في إطار موسم قطف الزيتون ولذلك فلن تشمل في هذا المقال.

معطيات موسم قطف الزيتون في عام 2021

الباحثون الميدانيون في منظمةييش دينوثقوا 42 حالة لعنف المستوطنين:

  • 13 حالة عنف بإطارها قام مستوطنين إسرائيليين هاجموا بعدواءيه فلاحين فلسطينيين باستعمال مضارب خشبية، عصي حديدية، الضرب ورمي الحجار، رش السائل المسيل للدموع والتهديدات بسلاح ناري خلال الحصاد.
  • 17 حالة سرقة محصول بإطارها قام مستوطنين إسرائيليين تسبقوا للفلاحين الفلسطينيين، قطفوا الزيتون من اشجارهم وسرقوا كامل المحصول. (هذا الامر متاح بسبب أن الفلسطينيين مجبرين على التعلّق “بآلية التنسيق”).
  • 12 حالة تشويه وتخريب أشجار زيتون، في 3 من الحالات تم حرق شجر زيتون وفي 9 حالات تم قطع شجر الزيتون: على الأقل 450 شجرة زيتون تم تشويهها.
  • 4 حالات بها مُنع الفلسطينيين من الدخول الى أراضيهم أو تم الاستيلاء على أراضيهم الخاصة.

*أربعة من الحالات ضمنت هجوم جسدي وتخريب ممتلكات خاصة وقد تم عد هذه الحالات مرتين.

سيارة فلاح فلسطيني في ترمسعيا دمرها وحرقها المستوطنين الاسرائيليين، نوفمبر 2021. مصدر: ييش دين

إفادة مزارعة فلسطينية من قرية X تم الهجوم عليها في تشرين أول (أكتوبر) 2021:

[…] قطفنا شجرتين وبلشنا بالشجرة الثالثة، الساعة كانت 9:00 أو 9:30 فجأة شفنا مجموعة مستوطنين عم يدخلوا ارضنا ومعهم عصي من حديد وانابيب كمان. مستوطنين اثنين كانوا حاملين سلاح وكلهن كانوا شباب، جزء منهم مكتومين الوجه. تقربوا الينا بشكل مباشر وبلشوا يراجدوا علينا حجارة. العمال اللي جبتهن يساعدوني هربوا للتلة وصاروا يرموا حجر على المستوطنين بلكي قدروا انو ينجوني منهم. بلشت ازعق واطلب النجدة […] ولما رفعت صوتي اجا واحد من المستوطنين اللي معه السلاح ورشني بسائل مسيل للدموع. وقعت عالارض وهم بلشوا يضربوا فيي ويراجدوا عليّ حجارة. حاولت اني أقوم من عالارض بس هم كملوا يراجدوا عليّ وما غدرت أوقف عإجريّ. أنا بقوم وبوقع وهم عم يراجدوا عليّ. بالموت تنّي وصلت زحف عالشارع الرئيسي. لحديت ما وصلت الشارع الرئيسي حسيت وكأنه مرق عليّ ألف سنة. المستوطنين لاحقوني للشارع وهم عم يراجدوا عليّ حجارة. فكرت اني رح أموت. مرق الوقت والمستوطنين مشغولين يراجدوا حجارة عليّ وعلى كل السيارات والناس اللي مرقت وحاولت توقفهم وتساعدني […] بنفس الوقت وقفوا سيارتين شرطة. سيارة اجت من الشمال والسيارة الثانية من الجنوب. رجال الشرطة شافوا المستوطنين وهم عمالهم يراجدوا حجارة عليّ وعلى السيارت المارقة. قلت لواحد من رجال الشرطة: ساعدني! امسكهم!” بس الشرطي ما تحرك بس صيّح عليّ بالعربي “ابعدي عن الشارع. ضليتني بجانب الشارع لحد ما وصل الجيش وكمان شرطة. بعدين اجا شرطي عندي وأخد مني كل التفاصيل. قلتله انه المستوطنين سرقولي الجزدان اللي بداخله في تلفوني، كرت الهوية، والدوا تبعي وكمان انهم سرقوا المحصول اللي قطفته مع العمال وكمان سرقولي كل العدة […] سألت الشرطي اللي صيّح عليّ قبل بوقت “مين رح يرجعلي الجردان ومحتوياته؟” والشرطي رد عليّ وقال “انتوا مستاهلين شو بعملولكم المستوطنين لاني مبارح كنت سايق ورموا علي حجارة من الشارع”.

خاتمة

الأحداث التي تم توثيقها من قبل “ييش دين” تشير الى ان دولة إسرائيل ووكالاتها (الجيش ووكالات تنفيذ القانون) تقصّر وتفشل في تطبيق القانون الإنساني الدولي (International Humanitarian Law) الذي يجبر القوى المحتلة على حماية السكان الأصليين وممتلكاتهم.

في كل سنة، وأيضاً في سنة 2021، يقوم طاقم “ييش دين” القانوني بالتوجه الى وكالات تنفيذ القانون الإسرائيلية قبل موسم قطف الزيتون. هذه التوجهات مركبة من متطلبات عدة طلبها فلاحون فلسطينيون في قرى معينة وهدفها تسهيل سير موسم قطف الزيتون وحماية الفلسطينيين وممتلكاتهم. القرى المذكورة بالتوجهات الرسمية قد تعرضت لاعتداءات كثيرة خلال مواسم الزيتون المؤخرة، منها عنف وسرقة وتخريب. بالرغم من هذه التوجهات قد تم توثيق اعتداءات في هذه القرى في هذه السنة.

من هذا التلخيص نستطيع استنتاج انه بغض النظر عن الإنذار والتجربة السابقة، في عام 2021 وكالات تنفيذ القانون الاسرائيلية في الضفة الغربية فشلت في منع اعتداءات، سرقة وتخريب من قبل المستوطنين تجاه فلاحين فلسطينيين.  بالإضافة الى ذلك نستنتج ان الجنود الإسرائيليين اشتركوا بشكل مباشر في منع الفلسطينيين من الدخول الى أراضيهم الزراعية وانهم امتنعوا عن حماية الفلسطينيين في حالة اعتداء من قبل المستوطنين: هذه الظاهرة هي ظاهرة منظوميه وغير عادلة وتخالف إجراءات الجيش الإسرائيلي.