بعد عشر سنوات على نشر تقرير المحامية طاليا ساسون حول البؤر الاستيطانية، نشرت منظّمة “ييش دين” و”منتدى الحقوق” (The Rights Forum) تقريرا بعنوان “تحت الرادار: السياسة الهادئة لشرعنة البؤر الاستيطانية غير المرخّصة وتحويلها لمستوطنات رسمية”، في آذار 2015، يشير إلى تغيير جذري في سياسة الحكومة الإسرائيلية بشأن إقامة مستوطنات جديدة وشرعنة البؤر غير القانونية في الضفة الغربية. يبيّن التقرير أنّه ابتداءً من عام 2011، وبالإضافة للمسار الرسمي والمعروف الذي تتّبعه الحكومة الإسرائيلية لتعزيز مخططات بناء المستوطنات وإقرارها، تعمل إسرائيل على مسار جانبي آخر بعيدًا عن الأنظار، من أجل تعزيز بناء وتوسيع المناطق الخاضعة لسيطرتها في الضفة الغربية، بواسطة شرعنة عشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية بأثر رجعي، بما فيها تلك التي أُقيمت على أراض فلسطينية خاصة. حتى كتابة التقرير تمّت شرعنة أو البدء بشرعنة ربع البؤر الاستيطانية (25 بؤرة من أصل مئة).

أُقيم معظم البؤر الاستيطانية غير المرخّصة منذ منتصف التسعينات وحتى منتصف سنوات ال2000. وقد سمحت دولة إسرائيل بإقامة هذه البؤر، وموّلت إرساء بنى تحتية وبناء مبان عامة فيها وتوفير الأمن والحماية لها. في نفس الوقت واصلت إسرائيل الإعلان أمام المحكمة العليا عن نيّتها تطبيق القانون وإخلاء البؤر الاستيطانية غير المرخّصة وفق سلّم الأولويات الذي قدّمته للمحكمة.

كما أخذت إسرائيل على عاتقها على مدار السنوات الالتزام أمام المجتمع الدولي بتجميد البناء في المناطق المحتلة وتفكيك البؤر غير المرخّصة – وخاصة بعض طرح المخطط السياسي “خريطة الطرق” لإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني والذي عرضته الرباعية في نيسان 2003 وكان أحد مبادئها الأساسية تفكيك البؤر الاستيطانية التي أُقيمت بعد آذار 2001. ولكن على أرض الواقع، لم تقم الدولة بتفكيك سوى عدد قليل جدا من البؤر الاستيطانية.

في عام 2008 أعلنت الدولة أمام محكمة العدل لعليا أنها تنوي تطبيق القانون وتفكيك البؤر الاستيطانية وفق سلّم الأولويات الذي قدّمته. ورغم تطبيق هذا الموقف في حالات معدودة فقط، إلاّ أنّه عبّر، وإن على المستوى التصريحي على الأقلّ، عن سياسةٍ ترى في البؤر الاستيطانية انتهاكًا مستمرًّا للقانون يتوجّب وقفه، واعترافًا بواجب إسرائيل حماية حقوق الفلسطينيين بالتملّك علما أن البؤر قد أُقيمت على أراضيهم.

يشير التقرير إلى التغيير الذي طرأ منذ عام 2011 في السياسة الرسمية الإسرائيلية بشأن المستوطنات غير القانونية، ويُظهر أن دولة إسرائيل قد تبنّت في السنوات الأخيرة سياسة غير معلنة، أساسها بناء المزيد من المستوطنات الجديدة أو توسيع مستوطنات قائمة بواسطة شرعنة البؤر بأثر رجعي.

في الفترة منذ عام 2011 وحتى نشر التقرير تمّت شرعنة 13 بؤرة استيطانية و”تبييض” البناء فيها – وتحوّلت أربع بؤر منها إلى ثلاث مستوطنات مستقلة، وتمّت شرعنة تسعة بؤر أخرى وتحويلها إلى أحياء في مستوطنات قائمة، علمًا أن بعضها لا يزال يُدار كمستوطنات مستقلّة. كما توجد 12 بؤرة استيطانية في مراحل مختلفة من إجراءات الشرعنة، بعد صدور أوامر من المستوى السياسي بالتقدّم في إجراءات شرعنتها رغم عدم قانونيتها.

المستوطنات والبؤر الاستيطانية هي مصدر انتهاك واسع النطاق لحقوق الإنسان الفلسطيني في الضفة الغربية، وخاصة بالنسبة للسكان الذين يعيشون في القرى المحاذية لهذه المستوطنات. القبول بوجود هذه البؤر الاستيطانية وتحويلها إلى شرعية، يشكّلان ضوءً أخضر لاستمرار الاعتداءات على أجساد وممتلكات عشرات آلاف الفلسطينيين. آلاف المواطنين الإسرائيليين يحصلون على جائزة من خلال شرعنة بؤر ومبانٍ أقيمت بشكل مخالف للقانون، وفي أحيان كثيرة على أساس الاعتداء على حقوق الفلسطينيين، سلب أراضيهم وارتكاب أعمال عنف وجرائم أخرى بحقّهم.