عشية نهاية عام 2020 طُرحت في إطار الخطاب الإسرائيليّ الداخليّ المُتعلق بالضفة الغربيّة، إمكانية تجديد مسار تسوية الأراضي في أرجاء الضفّة الغربيّة، الذي توقّف فورَ احتلالها عام 1967. وجرى تداول المسألة في اللجنة الفرعيّة التابعة للجنة الخارجيّة والأمن البرلمانيّة، ومن ضمن أسباب ذلك موقف الإدارة المدنيّة القائل بوجوب السّعي لتجديد مسارات تسوية الأراضي، وبأنّ المانع القانونيّ الذي كان ساريًا وقت تجميد المسار لم يعد قائمًا اليوم.

إلّا أنّ تجديد مسار تسوية الأراضي يحمل في طيّاته إسقاطاتٍ وتَبعات واسعة النطاق على مستقبل الضفّة الغربيّة، سواء أكان ذلك من الناحية السياسيّة أم القانونيّة. ويسعى هذا المسار إلى “تسوية” الملكيّة على آلاف الدونمات، ما سيؤدّي كتحصيل حاصل إلى انتهاك حقوق الإنسان المكفولة لمئات آلاف الفلسطينيّين الذين قد يخسرون حقوقهم في أراضيهم.

تستعرض هذه الورقة كيف أنّ مُجرّد اتخاذ قرار بتجديد مسارات التسوية يحمل في طيّاته إعلانًا بأنّ الحديث يدور عن فعل سياديّ، وغير قابل للتغيير، يُميّز نظامَ حكم دائمَا. فتجديد مسارات التسوية في الضفّة يُشكّل في واقع الأمر وسيلة غير مباشرة لفرض السّيادة، وذلك رغم أنّ مناطق الضفّة الغربيّة تخضع لوضعيّة احتلال مؤقّت، تحظر إجراء أيّ تدابير ذات صبغة دائمة. ففرض هذا البُعد السياديّ يُشكّل في واقع الأمر ضمًّا للمنطقة من خلال انتهاك أحكام القانون الدّوليّ.

لكنّ الأمر يتعدّى ذلك؛ فمسارات تسوية الأراضي جُمدّت مع بدء احتلال الضفّة الغربيّة، ومن ضمن أسباب ذلك حقيقة أنّ مئات آلاف السكّان فيها قد أصبحوا غائبين في أعقاب حرب 1967، وفي ضوء الواجب الوارد في القانون الدّوليّ الإنسانيّ بعدم انتهاك حقوق وممتلكات السُكّان المَحميّين في المنطقة. وبما أنّ وضعيّة هؤلاء الغائبين لم تتغيّر، فإنّ المُسوّغ القانونيّ المركزيّ من وراء تجميد مسارات التسوية ما يزال على حاله. وعليه، فإنّ تجديد مسارات التسوية سيؤدّي إلى القضاء على الكثير من حقوق الأراضي الخاصّة بسكّان غير موجودين في الضفّة الغربيّة ولذا فإنّهم غير قادرين على حماية مُمتلكاتهم. يُضاف إلى ذلك الاعتراف الصّريح للسُّلطات الإسرائيليّة الفاعلة في الضفّة بأنّ قواعد البيانات الموجودة بحيازتها منقوصة، في كلّ ما يخصّ وضعيّة تسجيل الأراضي في مناطق وقرًى كثيرة. وعليه، فإنّ دفع مسارات التسوية قُدمًا غير ممكن على أرض الواقع، وهو يناقض مبادئ القانون الدّوليّ التي تنصّ على حظر إجراء تغييرات على الأرض، وتفرض على القوّة الاحتلاليّة واجب الحفاظ على المُمتلكات الخاصّة.

إلى جانب ذلك، فإنّه ليس بالمُستطاع فحص وتبيُن المسار المذكور أعلاه، بمعزل عن مسارات ومبادرات سياسيّة أخرى تقوم بها السّلطات الإسرائيليّة، وعن مصالح دولة إسرائيل بتوسيع الوجود الإسرائيليّ في أرجاء الضفّة الغربيّة من جهة، وبتقليص الوجود الفعليّ أو الاعتراف بحقوق الفلسطينيّين من جهة أخرى. نحن نشهد في السّنوات الأخيرة سلسلة من التدابير أحاديّة الجانب تبادر لها إسرائيل، وكلّ الغاية منها ضمان وتأمين التمييز الصارخ الموجود في الضفّة الغربيّة، الذي ينعكس أحد تجلّياته البارزة والفظّة في الهوّة القائمة بكلّ ما يخصّ تخصيص الأراضي بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين. نحن نرى أنّ دفع مسارات التسوية، وفقما ستُبلوره إسرائيل وَجِهات إسرائيليّة ناشطة في الضفّة لتحقيق غايات سياسيّة- أيديولوجيّة مُعلنة، ومن دون إشراك السكّان الفلسطينيّين في بناء المنظومات وسُبل العمل، سيؤدّي بالضرورة إلى المسّ بالمجتمعات المحليّة وبالأفراد الفلسطينيّين. وهذا سيُفضي بدوره إلى دفع مُركّب سياسيّ آخر، مفاده سلب أراضي الفلسطينيّين في مناطق C، قبل نقلها إلى أيدٍ إسرائيليّة.