مركّزو الأمن الجاري العسكريون وفرق الحراسة الذين ينشطون في البلدات الإسرائيلية بالضفة الغربية هم عبارة عن قوات مدنية شبه عسكرية، مؤلّفة من سكان المستوطنات والبؤر الاستيطانية. دورهم حسب رؤية الجيش هو حماية سكان المستوطنات والبؤر الاستيطانية.
لمشاهدة الفيلم:
تقرير “الفضاء المتوحّش – نقل صلاحيات الشرطة والأمن إلى مركّزي الأمن الجاري العسكريين في المستوطنات والبؤر الاستيطانية”، هو التقرير الأول الذي تصدره “ييش دين” بخصوص الموضوع الشائك المتعلّق بمركّزي الأمن الجاري العسكريين. ويشير التقرير إلى أن الدولة تحاول حل نفسها من واجباتها من خلال نقل صلاحيات الشرطة والأمن لأيادي مدنيين. كما يؤكد التقرير على أن دور مركّزي الأمن الجاري العسكريين ما هو إلا جزءًا من غياب الحياد ومن الفوضى السلطوية الإسرائيلية في الضفة الغربية، ويبين كيف يؤدي دور مركّزي الأمن الجاري العسكريين إلى تقويض سيادة القانون في الضفة إلى درجة إفراغه من مضمونه، وبهذا يشكّل ركنا إضافيا في انتهاك إسرائيل لواجبها حماية المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية وفق القانون الدولي.
يخضع مركّزو الأمن الجاري العسكريون إلى قانون القضاء العسكري، ويتمّ تزويدهم بأسلحة عسكرية ويتلقّون تدريبا من الجيش، كما أنهم مخوّلون بصلاحية تنفيذ عمليات شرطوية مثل التفتيش والاعتقال واستخدام القوة؛ ويبدو في الظاهر أن نشاطهم يخضع لإشراف ورقابة الجيش، إلا أنهم عمليا معيّنون من قبل المستوطنين، ويرون أنفسهم ممثلين عن المستوطنات وليس عن الجيش.
هذا التضارب في المصالح، إلى جانب عدم وجود تعريف واضح لصلاحياتهم، والرقابة الركيكة على نشاطهم، كل هذه تخلق مواقع احتكاك ومواجهات يومية بين مركّزي الأمن وفرق الحراسة في المستوطنات من جهة وبين المزارعين الفلسطينيين من جهة أخرى، مما ينتهي في الكثير من الحالات بمنع الفلسطينيين من فلاحة أراضيهم.
مع أن دولة إسرائيل بدأت بتفعيل قوات شبه عسكرية في المستوطنات منذ عام 1971، إلا أنّها حتّى اليوم، أي خلال أكثر من 40 عامًا، لم تنظّم جوانب أساسية في عمل هذه القوات. فعلى سبيل المثال، لم تحدّد التعليمات المتعلقة برقابة الجيش على تعيين مركّزي الأمن الجاري وفرق الحراسة، ولا ما هي طبيعة عملها والعلاقات بينها وبين الجنود الذين يخدمون في المستوطنات أو علاقتها بالقوات العسكرية الأخرى. المسؤولية عن تفعيل هذه القوات موزّعة بين ثلاث جهات، هي وزارة الأمن التي تموّل نشاطها، الجيش المكلّف بمراقبتها، والمستوطنات ذاتها التي تُعدّ المستخدِم المباشر لها.
في تموز 2009 تمّ تعديل الأمر العسكري الخاص بحراسة المستوطنات، وصدرت مجموعة أخرى من الأوامر العسكرية تحدّد حدود “منطقة الحراسة” الخاصة بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية، والتي لا تطابق بالضرورة حدود منطقة النفوذ البلدية. ويعني هذ التعديل شرعنة المخالفات المؤسساتية وغير المؤسساتية المرتبطة بإنشاء بؤر استيطانية وبالتوسيع غير القانوني للمستوطنات، ونهب الأراضي الخاصة الفلسطينية والبناء غير القانوني على نطاق واسع، وأحيانا بانتهاك الأوامر العسكرية وقرارات الحكم الصادرة عن المحاكم، بما فيها محكمة العدل العليا.
يؤكد التقرير على أن نقل صلاحيات شرطوية لجهات مدنية، إنما يعزّز مفاهيم خصخصة صلاحيات تطبيق القانون، وأن هذه المفاهيم “لا تسبّب ضررا مضاعفا فحسب، كونها تتمّ في أرض محتلة تمّت عليها إقامة المستوطنات ضمن خرق فادح لمبادئ القانون الدولي وعلى أساس سلب مكثّف للأراضي”، بل إن نقل الصلاحيات بهذا الشكل يتعارض مع القانون الدولي. بموجب تعليمات القانون الدولي وقرارات حكم عدّة صادرة عن محكمة العدل العليا، يقع على القائد العسكري في المنطقة المحتلة واجب حماية أمن وسلامة سكان المنطقة، ومن هنا فإن خصخصة صلاحيات الجيش ونقلها لجهات لا تساعد في تطبيق القانون إنما تمسّ بواجب الجيش هذا، مما يحمّله مسؤولية خرق القانون والتملّص من واجبه في تطبيقه.