يناقض العقاب الجمعيّ الحقَّ بالحريّة والحقّ بإجراء قضائيّ نزيه، وهو أمر محظور في أحكام القانون الدوليّ –الذي يستقي منه القائد العسكريّ في الأراضي المحتلّة صلاحياته- التي تنصّ على وجوب استناد العقوبات المفروضة على المخالفات إلى المسؤوليّة الشخصيّة.
يعرض هذا المستند حالتيْن تختلفان عن بعضهما البعض في المكان والزمان والسبب والنتيجة، لكنّ الجيش يقوم في الحالتيْن بفرض عقاب جمعيّ على آلاف الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة لم يرتكبوا أيّ ذنب، ويُجرّد الأبرياء من حريّة حركتهم.
في كانون الأول 2018 أنشأ الجيش “بذرائع أمنيّة” حاجزًا عند المفترق المجاور لعين يبرود، الذي يربط عشرات آلاف الفلسطينيّين بشارع 60- وهو عصب مواصلات رئيس في الضفّة الغربيّة. بعد نحو ثلاثة أشهر، وفي أعقاب رسالة بعثتها ييش دين، قرّر الجيش فتح الحاجز، لكن لأربع ساعات في اليوم. ومنذ شهر آذار 2019 وحتى موعد كتابة هذه السطور، يقوم الجيش بفتح وإغلاق الشارع على التوالي وبشكل اعتباطيّ. ويكون الحاجز مغلقًا في الليالي وفي الكثير من نهايات الأسبوع، ويقوم الجنود بفتحه مرّة واحدة في الصباح ومرّة في الظهيرة، ويغلقونه بعد الظهر أو في ساعات المساء. واعترف مصدر عسكريّ رفيع بأنّ قرار إبقاء الحاجز مغلقًا في ساعات معيّنة ليس قرارًا عمليّاتيًّا ميدانيًّا، بل هو ناجم عن مطلب من قيادات المستوطنين.
في مطلع عام 2019 سدّ الجيش مدخليْن من المداخل الثلاثة المؤدّية إلى قرية دير نظام. ولم يتبقّ أمام سكّان القرية خيارٌ إلّا الوصول إلى القرية والخروج منها عبر طريق طويلة ومُنحنية وغير مُعبّدة. وعند هذا المدخل ضرب الجيش حاجزًا مأهولًا بالجنود بشكل دائم، وفيه يفحصون العابرين بالاتجاهيْن. أمّا السكّان الذين يرغبون بالسفر إلى مركز الضفة الغربيّة فيضطرّون إلى عبور حاجز عسكريّ آخر موجود بجوار مستوطنة ناﭬيه تسوف (حَلَميش) المجاورة. ويقوم الجيش بفتح وإغلاق مداخل القرية على التوالي، وبشكل عشوائيّ، من دون تبليغ السكّان، إذ يكون مغلقًا لعدّة ساعات أحيانًا ولعدّة أيام في أحيان أخرى، ويكون مغلقًا أحيانًا لفترات متواصلة أكثر. ويدّعي الجيش أنّ السبب من وراء سدّ مداخل القرية يكمن في إلقاء الأولاد للحجارة على الشارع الرئيس. ومع ذلك فإنّ العلاقة السببيّة بين إلقاء الحجارة ظاهريًّا وبين إغلاق المداخل ظلّت من دون تفسير.
في الحالتيْن لا يقع انتهاك حريّة الحركة على أشخاص أدينوا أو مشتبهين بارتكاب مخالفات أمنيّة أو أخرى. فسدّ الشوارع لا يخدم حاجة أمنيّة عينيّة والجيش يفتح الشوارع ويغلقها بشكل اعتباطيّ. والأخطر من ذلك أنّ الجيش يعترف بأنّ سدّ الشوارع يحدث أحيانًا بناءً على طلب مباشر من المستوطنين.
يؤدّي سدّ الشوارع الاعتباطيّ إلى المسّ بالروتين اليوميّ الخاصّ بعشرات آلاف الفلسطينيّين، الذين يشعرون بحيرة وبلبلة متواصلتيْن بشأن قدرتهم على التنقّل وتخطيط حيواتهم اليوميّة. فبوسعهم معرفة موعد خروجهم من البيت للدراسة والعمل والمشتريات، لكنّهم لا يعرفون البتّة متى سيصلون إلى غاياتهم، أو متى سيعودون إلى بيوتهم. زدْ على ذلك أنّ الحواجز تحول دون وصول خدمات الطوارئ والإنقاذ إلى القرى بسرعة، ونقل السكان المرضى إلى المستشفيات بشكل طارئ.
بوسعنا الافتراض أنّ الجيش يتّخذ هذه التدابير كأداة لقمع السكّان الفلسطينيّين وممارسة الضغوطات عليهم. إلّا أنّ لجوء إسرائيل إلى العقاب الجمعيّ الاعتباطيّ هو أمرٌ لاغٍ ومخالف للقانون الدّوليّ الإنسانيّ، وينتهك انتهاكًا جسيمًا حقّ الحريّة المكفول لمجموعات كاملة من السكّان الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة، غير المشتبهين بأيّ فعلة.