في 17 نيسان 2009، وخلال المظاهرة الأسبوعيّة ضد بناء جدار الفصل في قرية بلعين، أطلق أحد أفراد قوّات الأمن قنبلة غاز مسيل للدموع وجّهها مباشرةً نحو صدر المتظاهر باسم أبو رحمة. توفّي أبو رحمة البالغ من العمر 30 عامًا بعد وقت قصير متأثّرًا بجراحه. تم توثيق هذه الحادثة في الفيلم الوثائقيّ “خمس كاميرات محطّمة” الذي كان مرشّحًا لجائزة الأوسكار.

على الرغم من أنّ إطلاق نار من هذا القبيل يتعارض مع الأوامر العسكريّة، امتنعت النيابة العسكريّة عن إجراء تحقيق وافٍ في هذه الحادثة. من الجدير بالذكر أنّ سياسة النيابة العسكريّة في ذلك الوقت كانت منع تحقيق الشرطة العسكريّة في حالات الوفاة إلّا بأمر من النيابة. أوضحت النيابة العسكريّة في هذه الحالة أنّها رفضت التحقيق لأنه هناك إمكانيّة أن تكون قنبلة الغاز المسيل للدموع قد أصابت أبو رحمة بعد ارتطامها بالجدار.

فقط في تمّوز 2010، وبعد تقديم تقدير مهنيّ من قبل خبراء في المحاكاة (simulation) إلى النيابة العسكريّة، أعلن النائب العسكريّ العام عن تغيير موقفه ونيّته بالتحقيق بشأن ظروف مقتل أبو رحمة. شمل التقدير المهنيّ تحليلا لأفلام قصيرة وثّقت هذه الحادثة من ثلاث زوايا مختلفة، وأقرّ التقدير أن أبو رحمة قُتل بسبب إطلاق نار مباشر.

 

محكمة العدل العليا 13/1647 صبحيّة موسى أبو رحمة ضد النائب العسكري العام (التماس أوّل)

موعد تقديم الالتماس: 3.3.2013

بعد عامين ونصف العام لم يتّخذ خلالها أي قرار بشأن ملف التحقيق، التمست صبحيّة أبو رحمة، والدة باسم، إلى محكمة العدل العليا، بمساعدة ييش دين وبتسيلم، وطالبت المحكمة إلزام النائب العسكريّ العام باتّخاذ قرار بشأن الملف، ومحاكمة الجنديّ الذي أطلق النار، وكل قيادي مسؤول عن مقتل ابنها.

في أيلول 2013 أعلنت الدولة لمحكمة العدل العليا أن النائب العسكري العام في ذلك الحين، الجنرال داني عفروني، قرر إغلاق ملف التحقيق بسبب نقص في الأدلّة. لم تشرح الدولة في ردّها ما هي التفسيرات التي سبقت القرار بإغلاق الملف، ما عدا تصريح مقتضب يفيد بأنّه “لا توجد أدلّة كافية كما هو مطلوب في الحالات الجنائيّة من أجل اتخاذ خطوات قضائيّة ضد أي من الجنود الذين كانوا مرتبطين بالحادثة”. لم توفّر النيابة أي معلومة عن نتائج التحقيق أو عن الروايات التي قدّمها الجنود الذين تم التحقيق معهم، أو عن التقديرات التي تناقض النتائج التي توصّل إليها خبير المحاكاة. على أثر قرار النائب العسكري العام، أمرت محكمة العدل العليا بشطب الالتماس.

وضع الالتماس: شُطب.

 

محكمة العدل العليا 15/2295- صبحيّة موسى عبد أبو رحمة ضد النائب العسكريّ العام (التماس ثاني)

موعد تقديم الالتماس: 31.3.2015

 في حزيران 2014، وبعد تأجيل كبير من طرف النيابة العسكريّة لتحويل مواد التحقيق إلى ييش دين، قدّمت كل من ييش دين وبتسيلم، نيابة عن العائلة، استئنافًا على القرار بإغلاق ملف التحقيق، حيث استشهدت المنظّمات بسلسلة من الإخفاقات في التحقيق.

في آذار 2015، أي بعد حوالي ست سنوات على مقتل أبو رحمة، استأنفت والدته إلى محكمة العدل العليا مرّة أخرى مع ييش دين وبتسيلم، وطالبت هذه المرّة الحكم في الاستئناف. كُتب في الالتماس: “قتل أبو رحمة جرّاء إطلاق نار أقل ما يمكن القول عنه إنّه كان إطلاق نار لا مبالٍ أطلقه جنود الجيش الإسرائيليّ، وتم خنق ملف التحقيق لمعرفة من المسؤول عن موته على مدار سنوات من خلال مماطلة لا تغتفر قامت بها أجسام التحقيق والنيابة”.

في ردّها على الالتماس، أعلنت الدولة في كانون الأوّل 2016 أنّ النائب العسكريّ العام قرّر رفض الاستئناف بسبب عدم إمكانيّة التعرّف على الجنود المتورّطين، حيث أن التوثيق الذي تمّ تسليمه لا يتيح إمكانيّة التعرّف على الوجوه. ذكرت كل من ييش دين وبتسيلم في ردّهما في آذار 2016 أنّه مع بداية التحقيق تم تسليم مجموعة من صور الستيلس للشرطة العسكريّة والتي قد تتيح المجال للتعرّف على الوجوه- وحتى وإن لم يكن التعرّف أمرًا ممكنًا، فإنّ الالتماس يطلب محاكمة قادة الجيش المسؤولين عن الجنود بسبب مسؤوليّتهم القياديّة.

أمرت محكمة العدل العليا في نيسان 2016 بشطب الالتماس، وذلك على أثر تعليمات جديدة أصدرها المستشار القضائيّ للحكومة (في أعقاب توصيات لجنتيّ تيركل وتشاخونوبار). تقضي التعليمات أنّه يتعين على كل من يرفض النائب العسكريّ العام استئنافه على إغلاق ملف تحقيق أن يقدّم اعتراضًا للمستشار القضائيّ للحكومة قبل أن يُسمح له التوجّه إلى محكمة العدل العليا.

وضع الالتماس: شُطب.

 

محكمة العدل العليا 16/9850- صبحيّة موسى عبد أبو رحمة ضد المستشار القضائيّ للحكومة وآخرين (التماس ثالث)

موعد تقديم الالتماس: 19.12.2016

قدّمت صبحيّة أبو رحمة في أيّار 2016، وبمساعدة ييش دين اعتراضًا للمستشار القضائيّ للحكومة على قرار النائب العسكري العام برفض الاستئناف الذي قدّمته على إغلاق ملف التحقيق. طالب الاستئناف إكمال التحقيق بشأن هويّة الشخص الذي أطلق النار، لأن سلطات التحقيق لم تحدّد بشكل مؤكّد من أطلق النار على أبو رحمة، وكُتب في الاستئناف أنّه من أجل الكشف عن هويّة مطلق النار، من الممكن القيام ببحث بسيط يتعلّق بمواقع المتّهمين خلال الحادثة- وهي خطوة أساسيّة لم يقم بها المحقّقون من قبل.

بعد مرور سبعة شهور على موعد تقديم الاعتراض للمستشار القضائيّ للحكومة، وقبل الحصول على إجابة المستشار، التمست أبو رحمة إلى محكمة العدل العليا للمرّة الثالثة، وطالبت هذه المرّة المحكمة البتّ في الملف.

تمّ الادعاء في الالتماس أنّ الأدلّة الكثيرة الموجودة في الملف تقود إلى الاستنتاج أنّه يجب توجيه لائحة اتّهام ضد مطلق النار بسبب ارتكاب جريمة إماتة، أو على الأقل بسبب جريمة التسبّب بالموت النابع من الإهمال. تم الادّعاء من خلال الالتماس أيضًا أن ملف التحقيق يشمل شهادات لا لبس فيها تشير إلى أن الضبّاط المسؤولين عن الجنود المتورّطين في الحادثة لم يرشدوا مرؤوسيهم حول استخدام قاذفات القنابل من النوع الذي قتل أبو رحمة، ولا حول مدى الحذر الذي يجب اتّخاذه، كما يقتضي الأمر، كما أنّهم لم يفعلوا شيئًا للتأكّد من عدم قيام الجنود بإطلاق النار بشكل غير قانونيّ، وبتصويب مباشر ومن مدى قصير تجاه المدنيّين. لذلك، تم الادّعاء أنّه يجب تقديم لوائح اتّهام ضدّ الضبّاط المسؤولين أيضًا بسبب مسؤوليّتهم على إطلاق النار غير القانونيّ. طلب الالتماس بدلاً من ذلك القيام بإجراءات تأديبيّة أو قياديّة ضدّ الجنود المتورّطين ومسؤوليهم.

اعترفت الدولة خلال الإجراءات المتعلّقة في الالتماس أن ملف التحقيق الأصلي قد فُقِد، وأنّ نسخ الوثائق التي بقيت غير مكتملة، ولذلك يوجد نقص في مادّة التحقيق.

رفض قضاة محكمة العدل العليا في آذار 2018 الالتماس، وحكموا أنّه لا يوجد سبب لتدخّل المحكمة في القرار بعدم محاكمة المسؤولين عن الوفاة. حكم القضاة أيضًا أنّه لا يوجد سبب للتدخّل في القرار بعد اتّخاذ إجراءات قياديّة أو تأديبيّة ضد المتورّطين.

أشار القضاة في قرارهم إلى السلوك المهمل الذي انتهجته السلطات العسكريّة لتطبيق القانون- أي الشرطة العسكريّة والنيابة العسكريّة- واللتان أدارتا تحقيق مهمل وغير وافٍ، أدى إلى عدم إمكانيّة التعرّف على هوية مطلق النار. كتب القاضي غروسكوف أنّه “لا يمكن إصدار الحكم من دون التطرّق إلى صعوبات سلوك السلطات طيلة فترة هذه القضيّة التي امتدّت سنوات، وخصوصًا استمرار الاهتمام بها، والذي أضاف بالتأكيد الكثير من الألم والأسى للملتمسة على المستوى الإنسانيّ، كما أنّه أضر بسيرورة دراسة الحقيقة على المستوى العمليّ”.

أشار القاضي غروسكوف في أقواله أنّه تم جمع معظم شهادات الجنود والضبّاط المسؤولين عنهم بعد مرور فترة طويلة على الحادثة، ممّا أضرّ بشكل كبير بجودة هذه الشهادات وموثوقيّتها، وأيضًا حقيقة ضياع ملف التحقيق في مرحلة معيّنة ومعه مواد الأدلّة التي لا يمكن استرجاعها. “ينضم إلى كل ذلك”، أضافت المحكمة، “المدّة الطويلة التي أخذت لمعالجة توجّهات الملتمسين، على الرغم من الحكمين السابقين اللذين أصدرتهما هذه المحكمة، واللذان أمرا المدّعى عليهم بشكل واضح إنهاء المعاملات سريعًا”.

أشار القاضي قرا “… من الصعب التخلّص من الإحساس الصعب الذي ينشأ بسبب طريقة إدارة الأمور وعدم قدرتنا على المساعدة في هذه الظروف، في حين أن تصرّف الدولة- أو من الأصح القول انعدام تصرّف الدولة في التحقيق حول هذه الحادثة، أدّى إلى “ضرر في الأدلّة”، وانعدام القدرة على إيجاد المسؤول عن مقتل المتوفّي. وعلى ذلك نحن آسفون”.

باختصار، بعد مرور تسع سنوات على مقتل متظاهر خلال احتجاج سلميّ ضدّ جدار الفصل الذي شيّد في قريته، لن يتحمّل أي من الأشخاص المسؤولين عن موته المسؤوليّة. أدار الجهاز العسكريّ التنفيذيّ تحقيقًا باطلاً، شمل مماطلة وفقدان لمواد التحقيق. رفعت محكمة العدل العليا أيضًأ أيديها عن القضية، واكتفت بالنقد من دون تقديم أي مساعدة.

وضع الالتماس: مرفوض.