ملف المحكمة العليا 8270-08-24
موعد التقدم بالالتماس: 4.8.2024
غزت ثُلة من المستوطنين تضم 17 فتىً وراشد واحد يُدعى أفراهام شيمش قطعة أرض بملكية عائلة حرب التي تقطن في قرية اسكاكة بالضفة الغربية يوم 21.6.2022. وصل المستوطنون إلى الموقع وبحوزتهم فرشات وأدوات متنوّعة بهدف إنشاء بؤرة استيطانية غير قانونية في إطار “أسبوع إنشاء المستوطنات” من تنظيم حركة “نحلاه”. علمًا أن الراشد من بين أفراد المجموعة شيمش، كان قد وصل مسلحًا بسكين.
عندما سمع سكان قرية اسكاكة عن محاولة إنشاء البؤرة الاستيطانية وغزو الأرض، خرج بعضهم إلى الميدان مطالبين الغزاة بمغادرة أرضهم. تجاهل المستوطنون مطالب السكان الفلسطينيين وواصلوا تقدمهم داخل الأرض الخاصة. كما وصل إلى الموقع منسّق أمن مستوطنة أريئيل المجاورة من الجهة الثانية للجدار الاستيطاني مدعيًا أنه حاول تهدئة الخواطر. في غضون وقت قصير وصلت إلى المكان قوة من اليسام (الوحدات الخاصة للشرطة) وأفراد وحدة قوات التدخل السريع التابعة للمستوطنة. خلال هذه الثواني المعدودات، وبينما كانت قوات الشرطة على بُعد أمتار عن ثُلّة المستوطنين، أطلق منسّق أمن المستوطنة ثلاث طلقات بالهواء، ومباشرة بعدها تقدم أفراهام شيمش من الشاب المدعو علي حرب البالغ 27 عامًا وطعنه في قلبه بقوة. انهار علي على الفور ومات. لاحقًا نعاه أصحابه مؤكدين أنه كان يحلم بالسفر إلى ألمانيا لأجل العمل وقضى جُل وقته قبل مماته يستعد للسفر.
تميّزت تصرفات الشرطة خلال الحادثة وبعدها بالاهمال المُجرم. رغم تواجد عناصر شرط في المكان كانوا شهودًا على عملية الطعن الفتّاك، لم يتحرّك أي من قوات الأمن لتوقيف أي من الحاضرين اليهود يشمل الطاعن نفسه أفراهام شيمش، الذي تخلص من سكينه. قوات الجيش التي وصلت الموقع بعد الطعن عاينوا بطاقة هويّة شيمش وقاموا بمساءَلته، لكنه لم يُطلعهم عن دوره في الحادقة ولم يكشف أنه كان مسلحًا بسكين. عاد شيمش إلى منزله ومن هناك توّجه ليستشير محامٍ من منظمة “حوننو”. ولم يسّلم شيمش نفسه للشرطة بعد استشارة المحامي، بل رجع إلى بيته. مجموعة الفتيان الذين رافقوه عادوا إلى منازهم هم أيضًا، والتقوا في اليوم ذاته مع ناشطة في منظمة “نحلاه” باسم ميراف ميشالوف، التي أرشدتهم إزاء كيفية التعامل مع الشرطة، وبل وخضعت لاحقًا للتحقيق بشبهة تشويش إجراءات التحقيق.
في اليوم التالي، حضر شيمش إلى محطة الشرطة عقب استدعائه للتحقيق، وأحيل منها إلى تحقيق في جهاز الأمن العام (الشاباك) خلاله حُرم من استشارة محامٍ. يتضح من مواد التحقيق أنه أنكر في البداية أي علاقة بعملية الطعن مدعيًا أنه لم يكن مسلحًا. بعد عدة أيام وإثر العثور على السكين التي تخلّص منها، أحيل شيمش من جديد للتحقيق الشرطيّ وتم التحقيق معه تحت طائلة التحذير بشبهة ارتكاب مخالفات القتل كعمل إرهابي، تشويش إجراءات قضائية، ومخالفات لدوافع عنصرية أو عدائية تجاه جمهور ما. خلال التحقيق الشرطيّ غيّر شيمش روايته للأحداث وقام بإعادة تمثيل عملية الطعن. بموجب الرواية الأخيرة المُحدثة، يزعم أن الفلسطينيين الذين قدموا للمكان كانوا مسلحّين بفؤوس وعُصي وأن عملية الطعن حدثت عن طريق الخطأ في خضم محاولته التصديّ لعلي حرب والدفاع عن نفسه كما يدعي.
على الرغم من رواية المستوطنين للأحداث، يتضح من مواد التحقيق وشهادات عناصر الشرطة الذين تواجدوا في المكان أنه عدا عن شخص راشد واحد كان يحمل عصا لم يكن أيًا من السكان الفلسطينيين الحاضرين بالموقع، ولا علي حرب مسلحين. كما يتبيّن أن أي من الحاضرين اليهود الذين تواجدوا في المكان لم يُصب بأذى لا قبل ولا بعد عملية الطعن، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول الادعاء القائل إن السكان الفلسطينيين عرّضوا حيوات ثُلة المستوطنين للخطر، خصوصًا أنهم كانوا تحت حماية عناصر شرطة مسلحين. ويتضح من مواد التحقيق أن أفراهام شيمش تصرّف من دوافع قومية واضحة. فعلى سبيل المثال، تبجح لأحد أصحابه الذي حثّه على استصدار رخصة حمل سلاح، في يوم الحدث، بقوله “دعكَ، سأقتل شخصًا ما بلانكو (بالتأكيد)… من المستحسن أن أؤذي شخصًا ما بيداي، بالمحكمة يبدو الأمر أفضل”. يُذكر أن مجموعة المستوطنين وصلت إلى الموقع بهدف الغزو وفرض سيطرتها على أرض فلسطينية.
أثار الاعتقال زوبعة كبيرة في يمين الخارطة السياسية بإسرائيل ونُظمت مظاهرات خارج مُعتقل شيمش. حتى أن بعض الشخصيات الجماهيرية دعت لإطلاق سراحه مصوّرة إياه كبطل دافع عن الفتيان. في نهاية المطاف أطلق سراح الجاني يوم 5.7.2022 وأحيل للاعتقال المنزليّ، في حين أعلنت الشرطة بعد شهر ونصف أنها قررت إغلاق ملف التحقيق بحجّة “عدم وجود أدلة كافية”. رغم كون شهادات الفلسطينيين متناسقة مع شهادات عناصر الشرطة في المكان، قررت الشرطة التحقيق معهم تحت طائلة التحذير بشبهة تشويش الإجراءات القضائية، إلا أن أي منهم لم يُحاكم.
عقب إغلاق ملف التحقيق، تقدم والد علي، بواسطة “ييش دين” التي ترافق العائلة، باستئناف على القرار. وطالب الاستئناف بمحاكمة الجاني بتهمتي القتل العمد وتشويش إجراءات التحقيق، مفصلًا الأدلة والبيّنات القائمة ضد الجاني والشوائب العديدة التي شابت التحقيق. ورفضت يوم 24.10.2023 النيابة العامة الاستئناف زاعمة أن “كافة الشروط المطلوبة لتثبيت التحفّظ القائل بالدفاع عن النفس، وعليه أغلق الملف ضد المدعى عليه لقلّة الأدلة الشافية”. جدير بالذكر أن الموقف في الاستئناف القائل إن الجاني تصرّف دفاعًا عن النفس، يناقض بالكامل شهادات عناصر الشرطة الذين تواجدوا في المكان وحتى رواية الجاني نفسه الذي ادعى أنه قتل عن طريق الخطأ.
وقدّمت “ييش دين” يوم 29.2.2024 طلبًا لمعاينة قرار إغلاق ملف التحقيق من جديد مرفقةً للطلب أدلة جديدة تحصلّتها. من بين جُملة الأدلة، رأي استشاري (وجهة نظر) من أخصائي بالطب الجنائي. كما قُدّمت مُعالجة مُكبّرة للشريط المصوّر الذي كان بحوزة الشرطة ويوّثق اللحظات السابقة لعملية الطعن الفتّاك. بعد ثلاثة أشهر استلمت “ييش دين” بلاغًا من النيابة العامة إزاء قرارها بعدم فتح ملف التحقيق من جديد. رغم كون الجاني قد تخلّص من السكين وأخفاه، كذب حول هذا الأمر وأخفى الأمر، قررت النيابة ألا تحاكمه حتى على مخالفة تشويش إجراءات التحقيق. قبلت النيابة والشرطة موقف الفتيان الذين تواجدوا مع شيمش رغم قيامهم بتنسيق رواياتهم للحدث.
قدّم والد علي حرب يوم 5.8.2024 إلتماسًا للمحكمة العُليا بواسطة “ييش دين” مُطالبًا بمحاكمة أفراهام شيمش الذي طعن ابنه وأرداه قتيلًا على مخالفة الإماتة وتشويش الإجراءات القضائية. بموجب الاستئناف، تبّنت النيابة والشرطة شهادة شيمش المشوبة بالتناقدات والأكاذيب الكثيرة، بغياب قاعدة دلائلية داعمة. كما يتبيّن من الالتماس أن النيابة العامة “لم تدرس الملف بشكل جذري لائق بالتحقيق في ملف جريمة قتل”، كما يتضح من قرارها برفض الاستئناف وطلب النظر المُجدد. رغم عدم وجود خلاف إزاء كون شيمش من قام بطعن علي حرب بقلبه بقوّة مرديًا إياه قتيلًا، قررت النيابة عدم محاكمته وتقديمه للعدالة. ويُدعى في الالتماس أن هذا القرار يناقض سياسة النيابة في عدد لا يُحصى من الملفات الأخرى الشبيهة التي آلت لتقديم لوائح اتهام. عمليًا لم يعثر الفريق القانوني لمنظمة “ييش دين” أي حالة واحدة لاغلاق ملف تحقيق مشابه بادعاء الدفاع عن النفس في حال كان الضحايا من اليهود.
وعُرض في الالتماس تحليل مفصّل لتسلسل الأحداث. دحضت “ييش دين” رواية شيمش والفتيان التي قبلتها النيابة والشرطة، بواسطة مواد التحقيق الشرطيّة وأدلة إضافية جُمعت. هكذا، على سبيل المثال، الرأي الاستشاري من الأستاذ (بروفيسور) يهودا هيس المُرفق لكتاب الالتماس، يُحدد أن قوّة وزاوية الطعن لا تتماشيان مع ادعاء الجاني بأنه قام بدفع وصدّ علي وقتله عن طريق الخطأ بواسطة السكين. كما دُحض الادعاء القائل إن السكان الفلسطينيين كانوا مسلحين بأسلحة بيضاء وشكلّوا خطرًا على المستوطنين، من بين أمور أخرى، بواسطة شهادات عناصر قوى الأمن الإسرائيلية الذين تواجدوا في الموقع والشريط المُسجّل الذي يوّثق الحادثة وأرفق بالالتماس. بحسب الالتماس يفقد ادعاء الدفاع عن النفس قيمته على وقع الحقيقة أن عناصر شرطة مسلحين تواجدوا في الحدث نفسه، مما يؤكد أن الجاني الذي طعن والفتيان لم يتوجدوا في حالة خطر ولم يتآذَ أي منهم لا قبل ولا بعد عملية الطعن.
يشكّل التعامل باستهتار وإهمال وانحياز في هذا الملف استمرارية مُباشرة لتعامل جهاز إنفاذ القانون الإسرائيلي الفاشل في كل ما يُعنى بمُخالفات وجرائم يقترفها الإسرائيليون تجاه الفلسطينيين، وهو الفشل ذاته الذي توّثقه “ييش دين” طوال 20 سنة. وجاء في الالتماس أن الحديث يدور عن “خير مثال لفشل جهات إنفاذ القانون المتواصل بمُحاكمة المستوطنين المُتطرّفين على جرائم عنف تجاه الفلسطينيين”، وهو فشل قدّمت محكمة العدل الدوليّة في لاهاي مؤخرًا رأيها حوله.
حالة الالتماس: إجراءات جارية