تقرير منظّمة “ييش دين” بعنوان “أقلّ مما يجب وبعد فوات الأوان: رقابة النيابة العامة على التحقيق في مخالفات ارتكبها مدنيون إسرائيليون بحق فلسطينيين”، هو التقرير الثاني الذي يرى النور في إطار مشروع متعدّد السنوات، يدرس أسباب فشل دولة إسرائيل المتواصل في تطبيق القانون على مدنيين إسرائيليين يعتدون على فلسطينيين من مواطني الضفة الغربية وممتلكاتهم. يُظهر التقرير الحالي أداء النيابة العامة بكل ما يتعلق بالرقابة على تحقيقات الشرطة في الضفة الغربية.
تابع التقرير وراقب الوسيلتَين الأساسيّتين اللتين تتّبعهما النيابة العامة لمراقبة تحقيقات الشرطة: الأولى، الاستئنافات على قرارات إغلاق ملفات التحقيق وحفظها؛ والثانية، “طاقم تطبيق القانون” الذي يرأسه القائم بأعمال النائب العام (وظائف خاصّة). وكشف التقرير عن أنّ انعدام تطبيق القانون الذي جرى استعراضه في تقرير سابق ل”ييش دين” بعنوان “قانون في الظاهر”، لا يزال على حاله، وحسبه: فقط 8% من تحقيقات الشرطة في شكاوى قدّمها مدنيون فلسطينيون تعرضوا لاعتداء من قبل إسرائيليين، حتى كتابة التقرير، قد أفضت إلى لوائح اتهام. أما في 87% من التحقيقات التي تناولت الاعتداء الجسدي على فلسطينيين من قبل مدنيين إسرائيليين، فقد انتهى الأمر دون تقديم لوائح اتهام، وكذلك كان الحال مع 100% من التحقيقات في مجال التعدّي على الممتلكات.
وكانت لجنة شمجار التي تشكّلت على أثر مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل عام 1994، قد أوصت باتّباع إجراءات للتنسيق بين الشرطة والنيابة العامة على نحو “يضمن المتابعة والرقابة بخصوص معالجة القضايا، بما فيها الرقابة على أي قرار يتعلّق بإغلاق ملفات”. تشير متابعة “ييش دين” لأداء “طاقم تطبيق القانون” إلى إفراغ هذه التوصية من مضمونها.
الوسيلة الوحيدة لمراقبة ملفات التحقيق الفردية التي تمّ إغلاقها هي من خلال مسار الاستئنافات. توصل التقرير للاستنتاج بأنّ الفلسطينيين الذين لا ترافقهم منظّمة حقوق إنسان إسرائيلية، يمتنعون عموما عن تقديم استئنافات. ويبيّن فحص الاستئنافات التي قدّمها الطاقم القضائي لمنظمة “ييش دين”، أن قسم الاستئنافات في النيابة العامة يميل لتبني قرارات الشرطة والنيابة اللوائية بإغلاق الملفات بشكل جارف، مما يعني تبنّي رواية المشبوهين (هذا في حال عُرف المشبوهون – ففي معظم الملفات يتمّ إغلاق الملف بحجة عدم التعرّف على الجاني)، والتسليم مع عدم تنفيذ إجراءات تحقيق أساسية، وأحيانا حتى تجاهل أدلّة تضمّنتها ملفات التحقيق وذُكرت في الاستئنافات. كما وجد التقرير أن قسم الاستئنافات يخرج عن تعليمات القانون الذي يحدّد الفترة الزمنية القصوى لمعالجة الاستئنافات على قرارات إغلاق الملفات المتعلّقة بمخالفات عنف خطيرة.
يركّز التقرير على فشل دولة إسرائيل في واجبها حماية المدنيين في الأراضي المحتلة الخاضعة لسيطرتها من الإجرام الأيديولوجي، ويزداد هذا الواجب إلزاما خاصة بالنسبة للمدنيين المتواجدين في منطقة حرب، وذلك وفق القانون الدولي الذي يفرض على الدولة المحتلة حماية المدنيين في المنطقة المحتلة من اعتداء طرف ثالث.