الحق بالاستئناف على قرارات اتّخذتها سلطات حكومية هو من آليات حفظ التوازن ولجم القوة التي تتمتع بها السلطات، ومنع استغلالها صلاحياتها بشكل تعسّفي. يتيح الحق بالاستئناف درجة معينة من الشفافية، الرقابة والمراقبة على أعمال السلطات وقراراتها، ويشكّل وسيلة لجم ومراقبة على عملها ويساهم في بناء ثقة الجمهور بها.

في آب (أغسطس) 2002 نشرت النيابة العامة توجيهات تنص على احترام حق المشتكي بالنظر في مواد التحقيق، في حال رغب بتقديم استئناف أو التماس لمحكمة العدل العليا على قرار إغلاق ملف التحقيق في شكوى قدّمها، علما “أن هذه المواد ضرورية للمواطن لتمكينه من إحقاق حقّه الذي يكفله له القانون بشكل صريح”. مع هذا، فقد أوضحت التوجيهات أيضا أن هناك اعتبارات أخرى، عدا حق المشتكي، يجب أخذها بالحسبان قبل السماح له بالنظر في المواد. واعترفت النيابة في توجيهاتها بأن النظر في مواد التحقيق ضروري للمشتكي لفحص الركيزة التي يعتمد عليها قرار هيئات التحقيق والادعاء.

على أثر نشر هذه التوجيهات، قام المستشارون القضائيون لمنظّمة “ييش دين” التي تمثّل المئات من مقدّمي الشكاوى الذين أُغلقت ملفاتهم، بالنظر في مواد التحقيق. وأسفر النظر في الملفات، حتى موعد كتابة هذه الورقة، عن تقديم 185 استئنافًا، معظمها على إغلاق ملفات التحقيق دون إجراء تحقيق أو دون استيفائه، وبعضها على إغلاق الملفات دون تقديم لوائح اتهام (رغم احتواء الملفات على أدلة تبرر تقديم لائحة اتهام).

تم تقديم الاستئنافات على استيفاء التحقيقات أو الشروع بالتحقيق، فقط في الحالات التي كان فيها احتمال ان يقود المزيد من التحقيق إلى تقديم لوائح اتهام. وعدلت المنظمة عن تقديم استئنافات في العديد من الحالات التي لم يتم استيفاء التحقيق فيها، بسبب مضي وقت طويل على وقوع الحادث، والافتراض بأن استيفاء التحقيق باتخاذ إجراءات مثل جمع الأدلة من الميدان، استجواب الشهود، إجراء طوابير تشخيص جنائي وغيرها، لن تكون مجدية.

ولكن في حزيران (يونيو) 2010 نشر النائب العام حينذاك، موشيه لادور، توجيهات جديدة، تفرغ الحق بالنظر في مواد التحقيق من مضمونه، وتخلق وضعا يستطيع فيه أفراد فقط إحقاق حقهم هذا وتحدي قرار إغلاق ملف التحقيق. ومما نصّت عليه التوجيهات الجديدة هو عدم السماح بالنظر في مواد التحقيق التي أُغلقت بحجة عدم كفاية الأدلة.

وأوصت “ييش دين” في ورقة الموقف بالعودة لصيغة التوجيهات الأولى، وتمكين المشتكين من النظر في المواد المتوفّرة في ملفات التحقيق. كما أوصت المنظّمة بتحديد تعليمات تضمن استلام المشتكين أو من ينوب عنهم، بلاغا بقرار إغلاق ملف التحقيق في شكاواهم، وأن يتم التبليغ في وقت قريب من موعد إغلاق الملف.

علاوة على ذلك، التمست “ييش دين” إلى محكمة العدل العليا، مع اتحاد مراكز مساعدة ضحايا الاعتداءات الجنسية ومركز نوجا لحقوق ضحايا الإجرام، طلبًا بأن تضمن المحكمة للضحايا الحق بالنظر في مواد التحقيق. على أثر تقديم الالتماس، ونقد المحكمة للأمر، تقرّر السماح للمشتكي الراغب في تقديم استئناف على قرار بإغلاق ملف التحقيق في شكواه، بالنظر في مواد التحقيق، ولكن عليه أن يعرف بأن هذا قد يضعف من قيمة إفادته وقيمة الأدلة الأخرى.