خلفية

يعد قطف الزيتون حدثًا ثقافيًا واجتماعيًا وقبل كل شيء اقتصاديًا، وهو مصدر مهم لكسب الرزق للعديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية. في كل عام خلال موسم قطف الزيتون، يقوم المواطنون الإسرائيليون بمهاجمة الحاصدين الفلسطينيين بعنف، وبسرقة محاصيل الزيتون وقطع الأشجار. منذ عام 2005، توثق منظمة يش دين الجرائم التي يرتكبها المستوطنون والإسرائيليون الآخرون ضد الفلسطينيين خلال موسم الزيتون.

إن أعمال عنف المستوطنين والأضرار التي لحقت بالممتلكات الفلسطينية في الضفة الغربية لا تحدث فقط خلال موسم قطف الزيتون، وانما على مدار كل السنة. هذا العنف يحد من قدرة اصحاب الأراضي الفلسطينيين على الوصول بحرية وبشكل منتظم إلى الأراضي الزراعية التي يمتلكونها. بالإضافة إلى ذلك، فإن وصول أصحاب الأراضي الفلسطينيين إلى بعض الأراضي مقيد بـ “آلية تنسيق” عسكرية تمنعهم من دخول الأراضي الفلسطينية الخاصة المجاورة للمستوطنات والبؤر الاستيطانية دون إذن وتنسيق مسبق. أدى العنف والقيود المفروضة على الوصول إلى الأراضي الزراعية إلى تخلي العديد من المزارعين الفلسطينيين عن محاصيلهم الزراعية الأخرى والتركيز على زراعة أشجار الزيتون التي تتطلب القليل من الصيانة. وهكذا، إلى جانب كونه رمزًا وطنيًا فلسطينيًا، ازدادت الأهمية الاقتصادية للزيتون بشكل عام، وقطف الزيتون بالأخص، في الضفة الغربية.

“آلية التنسيق”

في أعقاب اعتداءات المستوطنين العديدة ضد الفلسطينيين، قرر الجيش الإسرائيلي إنشاء “آلية تنسيق”. كجزء من هذه الآلية، يمنع الجيش المزارعين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم الخاصة المتاخمة للمستوطنات والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية، مما يسمح لهم بالوصول مرتين فقط في السنة – لحرث الأرض في الربيع وحصاد الأشجار في الخريف. المزارعون ملزمون بتقديم طلب مسبق لدخول أراضيهم، ومن المفترض أن ينسق الجيش الأيام التي سيرافقهم فيها الجنود ويقومون بحراستهم أثناء قيامهم بالأعمال الزراعية. تجدر الإشارة إلى أن الجيش يحدد مواعيد التنسيق دون مراعاة لاحتياجات المزارعين ويسمح بالوصول لبضعة أيام فقط مما لا يكفي عادة لاستكمال العمل الزراعي.

على الرغم من أن موسم قطف الزيتون يبدأ عادةً في منتصف أيلول، إلا أن الجيش في عام 2022 سمح للفلسطينيين بالوصول إلى أراضيهم اعتبارًا من 22 تشرين أول فقط. من الغريب أنه يبدو ان السبب الرئيسي لتاريخ البدء المتأخر كان الأعياد اليهودية التي انتهت في ذلك الأسبوع.

نتيجةَ لبدء نافذة زمنية المتأخر، تمكن خلالها المواطنون الإسرائيليون من ارتكاب الجرائم على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. وبالفعل، في العديد من الأماكن، وصل المزارعون الفلسطينيون الذين أُجبروا على الانتظار والحصاد ابتداءً من التاريخ المتفق عليه إلى أراضيهم واكتشفوا أن معظم الأشجار قد قُطعت أو أنها تعرضت لأضرار جسيمة.

من المفترض أن تمنع “آلية التنسيق” العنف والضرر الذي يلحق بالفلسطينيين وممتلكاتهم أثناء قطف الزيتون، ولكن في معظم الحالات، تعمل هذه الآلية ضد المزارعين الفلسطينيين.

هجوم مدعوم من الجيش

بالإضافة إلى حقيقة أن “آلية التنسيق” تحد من وصول المزارعين الفلسطينيين إلى أراضيهم في معظم أيام السنة، فإن الواقع على الأرض يكشف أن الجيش يسيء استخدام دوره المفترض في حماية الفلسطينيين أثناء القطف المنسق. في كثير من الأحيان لا وجود لأي قوة عسكرية على الأرض بينما يرتكب مواطنون إسرائيليون جرائم ضد الفلسطينيين وعندما يكون هناك جنود، فإنهم عادة ما يمتنعون عن التدخل، وفي بعض الحالات يساعدون المستوطنين العنيفين وينضمون إلى الهجمات على الفلسطينيين عن طريق رمي قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع تجاه الفلسطينيين.

ع هو متقاعد من قرية بورين ويمتلك ارضا خاصة لا تحتاج الى تنسيق عسكري وتزرع فيها اشجار الزيتون. في يوم الجمعة 22/10/2022 ذهب ع مع عائلته لحصاد الزيتون. عملوا لساعات عدة ثم هاجمهم سبعة مستوطنين قدموا من البؤرة الاستيطانية غير القانونية “مزرعة رونين”. رشق المستوطنون بالحجارة ع وزوجته وأولاده الذين فروا من المكان باتجاه سيارتهم. نزل المستوطنون إلى الأشجار المقطوعة وسرقوا المحصول. بقيت الأسرة على أرضها، لكن بعد حوالي ساعة وصل العشرات من المستوطنين، بعضهم مسلح ، من جهة مستوطنة يتسهار وكان معهم أشخاص يرتدون ازياء عسكرية جاءوا في سيارة عسكرية.

يصف ع: “أتى الجيش والقى قنابل الغاز والأسلحة النارية على الفلسطينيين وليس باتجاه المستوطنين بتاتا. وهكذا في هذه المرة. رأيت جنديا يعطي قنبلة غاز مسيل للدموع لمستوطن وألقى المستوطن القنبلة علينا. أطلق مستوطن آخر النار باتجاهنا بينما كان الجنود يقفون بجانبه، وأصيبت زوجتي بحجر في صدرها، وكاد ابني أن يختنق بالغاز المسيل للدموع الذي القي علينا بكميات كبيرة”.

بعد أيام قليلة، عاد ع إلى أرضه، “كنت أخشى الخروج قبل ذلك”. لكن هذه المرة ع وصف كيف، “جاء الجيش وأخرجنا وألقى علينا قنابل الغاز المسيل للدموع. قلت لأحد الجنود أن هذه منطقة B وليس هناك حاجة للتنسيق للخروج إلى المنطقة. أجاب الجندي أن تواجدي هنا ممنوع، فسألت عن السبب، فأجاب الجندي: “هذا كل شيء، اخرج من هنا!”. عدنا إلى المنزل ومنذ ذلك الحين لم أعد لأقطف أشجار الزيتون “.

اختار ع عدم تقديم شكوى إلى الشرطة الإسرائيلية بشأن هذه الحادثة بسبب عدم إيمانه بسلطات إنفاذ القانون الإسرائيلية، بناءً على تجربته الشخصية: “لقد اشتكيت عدة مرات في الماضي من حرق الأشجار والاعتداء الجسدي وكسر ساقي، لكن لم يحدث شيء نتيجة للشكوى. تقديم شكوى ضد المستوطنين يعني عدم منحي تصريح دخول إلى إسرائيل. في الماضي قدمت شكوى بشأن المستوطنين فسحبوا تصريح الدخول إلى إسرائيل مني.” (ملف يش دين L15125/22)

ملخص موسم قطف الزيتون 2022

البيانات الواردة أدناه تشمل مخالفات ارتكبها مدنيون إسرائيليون ضد مزارعين فلسطينيين وممتلكاتهم خلال موسم الزيتون لسنة 2022، بين 7 تشرين أول 2022 و30 تشرين ثاني 2022. في بعض الاحداث تم تقديم شكاوى إلى الشرطة الإسرائيلية. يقوم القسم القانوني في منظمة ييش دين بمراقبة تعامل سلطات إنفاذ القانون الاسرائيلية مع التحقيقات. أما البقية، فإن التطورات الأخرى المتعلقة بالأحداث غير معروفة.

تجدر الإشارة إلى أن “ييش دين” لم توثق جميع الأحداث التي وقعت خلال موسم قطف الزيتون، وبالتالي فإن هذا المقال يشير فقط إلى الأحداث التي تم الإبلاغ عنها لـ “ييش دين”. بالإضافة إلى ذلك فإن البيانات تتعلق فقط بالأحداث التي لها صلة مباشرة بقطف الزيتون. خلال هذه الفترة وقعت احداث إضافية في الضفة الغربية ألحق فيها مدنيون إسرائيليون الأذى بالفلسطينيين وممتلكاتهم، بعضها موثق من قبل ييش دين لكن لم يتم ضمها في هذه البيانات لأنها لا تتعلق بالحصاد.

تم الإبلاغ عن 38 واقعة منفصلة من عنف المستوطنين للباحثين الميدانيين في “ييش دين” (قامت منظمة “يش دين” بتوثيق 19 من هذه الحوادث بشكل مباشر وتعالج ثمانية منها على المستوى القانوني):

  • 17 حالة العنف ومنع القطف اعتدى فيها مدنيون إسرائيليون جسدياً على مزارعين فلسطينيين بالهراوات والقضبان الحديدية والضرب وإلقاء الحجارة ورش غاز الفلفل والتهديد بالأسلحة النارية. في هذه الحالات ادت الاعتداءات الى إبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم ووقف الحصاد في ذلك اليوم. في 5 حوادث على الأقل جرح المستوطنون فلسطينيين لدرجة أنهم احتاجوا إلى العلاج في المستشفى.
  • 8 حالات سرقة للمحاصيل قام بها مدنيون إسرائيليون بقطع الأشجار وسرقة محصول الزيتون فبل مجيء الفلسطينيين.
  • 9 حالات تخريب لأشجار الزيتون قام بها مستوطنون بتسميم أو حرق أو قطع أشجار. تم تخريب ما لا يقل عن 540 شجرة زيتون.
  • حالتا منع الوصول إلى أراضي أو الاستيلاء على أراض فلسطينية خاصة.
  • حالتان من الأضرار التي لحقت بالممتلكات التي لا تتعلق بالمحاصيل الزراعية أو المعدات الزراعية، على سبيل المثال الأضرار التي لحقت بالسيارات المتوقفة للمزارعين الفلسطينيين.

م. هو مزارع يبلغ من العمر 64 عامًا من قرية الشيوخ، هوجم مع عائلته من قبل المستوطنين في أرضه الخاصة في الثالث من تشرين الثاني 2022:

“خرجت مع عائلتي – زوجتي وثلاثة أبنائي وابنتي وحفيدي البالغ من العمر سبع سنوات – في الساعة السادسة صباحًا إلى الحقل لقطف الزيتون. […] عملنا دون انقطاع حتى الثامنة. فجأة رأيت مركبة لجميع التضاريس (ATV) تقترب منا من اتجاه مزرعة المستوطنين [بالقرب من مستوطنة أسفار]. تجولت السيارة في المنطقة لمعرفة ما كنا نفعله ثم عادت إلى المزرعة. بعد حوالي 15 دقيقة رأينا 20-25 مستوطنًا يخرجون من المزرعة في طريقهم إلينا وكان بعضهم ملثمين. كانوا يمسكون بأيديهم قضبان حديدية. على حد علمي، لم يكونوا مسلحين بأسلحة نارية لكن كان معهم كلاب. اتصل أحدهم بقائدهم “ليأتي ويدير الأمور” ثم اقترب مني زعيم المجموعة وصرخ: “أنت تثير الفوضى!” طالبني بمغادرة المنطقة. أجبته: “أنا في أرضي وأقطف الزيتون”. بينما كنت أتحدث أمسك برقبتي وركلني وضربني. وفي الوقت نفسه رشقني المستوطنون بالحجارة. أصابني حجر في رأسي، نزفت وأغمي علي وسقطت على الأرض. وحتى في هذه الحالة لم يتوقف الضرب في جميع أنحاء جسدي، وخاصة على أطرافي.

عندما استعدت وعيي، رأيت أن زوجتي وأفراد عائلتي الآخرين الذين كانوا في الحقل يتعرضون أيضًا للهجوم. شعرت أن المستوطنين يريدون قتلنا. مع كل ما تبقى من قوتنا هربنا من المكان. دخلت عائلتي السيارة تحت أمطار غزيرة من الحجارة. اضطررنا إلى ترك الجرار في الحقل. كما تُركت المعدات الزراعية ورائنا. كل ما أردناه هو الهروب من المكان وإنقاذ حياتنا.

اتصلت بالهلال الأحمر وفي غضون 15 دقيقة وصلت سيارة إسعاف إلى مدخل القرية. أُدخلوا زوجتي، التي أصيبت في صدرها بالحجارة، على الفور لفحص القلب. لدي كسر في الجمجمة وتم خياطة الجرح بـ 20 غرزة. لدي كدمات في جميع أنحاء جسدي. سيتعين على ابني، الذي أصيب في جانب العين ، مواصلة العلاج الطبي لأمد طويل. الابن الآخر مصاب بجرح في أذنه تم قطبه وكدمات في جسده. عض كلب مستوطن ابني الثالث، مما أدى إلى إصابته بجرح تطلب قطبه، كما أصيب بكسر في ساقه. قبل يومين خضع لعملية جراحية طارئة في المستشفى. ابنتي كسر ذراعها الأيمن. أصيب الحفيد الصغير البالغ من العمر سبع سنوات بصدمة ومنذ ذلك الحين يعاني من اضطرابات في النوم والتركيز ويحتاج إلى رعاية صحية نفسية.

[…] في يوم الهجوم علينا، ذهب أقاربي إلى المنطقة للتحقق مما حدث للجرار والمعدات ورأوا جنودًا في المنطقة. الجرار مكسور وكابلاته الكهربائية مقطوعة وممزقة والنوافذ محطمة والعجلات مثقوبة. علينا جر الجرار من الحقل. سيكلف التصليح حوالي 2000 شيكل. سُرقت هواتفنا. كان الحدث صادمًا – نظرت إلى الموت في عينيه. نجينا بمعجزة. سوف يستغرق الأمر وقتًا حتى نتعافى من هذه الصدمة. آمل أن تفعل الشرطة ما هو مكلف عليها وأن يعاقب المستوطنون العنيفون بالعقوبة المناسبة”.

قدم م. شكوى إلى شرطة عتصيون في مستوطنة بيتار عيليت في 6 تشرين الثاني 2022. تمثله ييش دين وتتابع تطورات القضية. (ملف يش دين L15124/22)

تلخيص

تظهر الأحداث الموثقة أعلاه أن دولة إسرائيل وسلطاتها (الجيش ووكالات إنفاذ القانون) لا يقومون بواجبهم وفقًا للقانون الإنساني الدولي الذي يفرض على دولة الاحتلال واجبًا لحماية الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية بشكل فعال.

قبيل موسم قطف الزيتون في عام 2022 أرسلت منظمة “ييش دين” مراسلات للجيش والشرطة لتقليل الصعوبات التي يواجهها المزارعون الفلسطينيون. طالبت المراسلات بوصول أطول وابكر للأراضي الزراعية والحماية من هجمات المدنيين الإسرائيليين. في المراسلات ذكرت مناطق محددة حيث سجل العديد من الهجمات العنيفة أو الأضرار التي لحقت بأشجار الزيتون في السنوات السابقة. ومع ذلك، مرة أخرى هذا العام، لم يمنع الجيش والشرطة عنف المستوطنين وكانت هذه المناطق مرة أخرى هدفًا لهجمات المدنيين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين على غرار مواسم الزيتون السابقة.

يُظهر ملخص الأحداث خلال موسم قطف الزيتون أنه على الرغم من التحذيرات المستندة إلى التجارب السابقة ، مرة أخرى في عام 2022 ، فشلت السلطات الإسرائيلية المسؤولة عن إنفاذ القانون في الضفة الغربية في منع العديد من حالات العنف والسرقة والتدمير التي ارتكبها مدنيون إسرائيليون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. علاوة على ذلك وبصورة متسلسلة وفي تناقض تام مع سياسات الجيش نفسه، تورط الجنود بشكل مباشر في منع المزارعين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم وامتنعوا عن توفير الحماية لهم من عنف المستوطنين.