تسري منظومة إنفاذ القانون على الجنود والشرطيّين الإسرائيليّين الفاعلين في الأراضي المحتلّة بموجب أحكام القانون الإسرائيليّ، وبموجب ما يفرضه القانون الدّوليّ من واجبات على القوة المحتلّة في الضفّة الغربيّة. ويقع على إسرائيل واجب إجراء تحقيقات ناجعة عند وجود اشتباه بارتكاب أفراد قوّات الأمن لمخالفات وجنح ضدّ فلسطينيّين، وتقديمهم للمحاكمة في الحالات الملائمة.

إنّ معالجة منظومة إنفاذ القانون الإسرائيليّة لكلّ ما يخصّ الجنود والشرطيّين الذين يرتكبون الجنح والمخالفات ضدّ الفلسطينيّين، هي معالجة تعجّ بالمشاكل، بعضها مشاكل عينيّة خاصّة وبعضها بنيويّة ومبدئيّة. وتعمل ييش دين منذ ما يزيد عن العقد على توثيق الأذى الذي تلحقه قوّات الأمن الإسرائيليّة بالفلسطينيّين وممتلكاتهم في الأراضي المحتلّة، وهي تنشر سنويًّا معطيات تفصيليّة وتحليلًا معمّقًا تتعلّق كلّها بإخفاقات جهاز إنفاذ القانون بخصوص كلّ ما يتعلّق بالتحقيق مع جنود وشرطيّين ومقاضاتهم إثر ارتكابهم لمخالفات جنائيّة ضدّ فلسطينيّين.

تتركّز هذه الورقة في نمط واحد من مُجمل المشاكل التي وردت في منشورات ييش دين على مرّ السنوات. وهي تستعرض نماذجَ لخمسة ملفات تحقيق كانت “ميتْسَح” (الشرطة العسكريّة المُحقّقة) و”ماحش” (وحدة التحقيق مع الشرطيّين) تشتبهان بارتكاب أفراد قوات اﻷمن لمخالفات جنائية فيها، إلا أنّ هذه الملفات أغلقت بعد إخفاق المحقّقين في العثور على مرتكبي المخالفات، أو لعدم بذلهم الجهود الكافية لذلك.

تشير الأمثلة إلى أنّ سلطات التحقيق لا تستكمل حتّى تدابير التحقيق الدُنيا، التي تتمثّل بالعثور على القوّة العسكريّة أو الشرطيّة التي كانت في الحادثة واستجواب الضالعين أو التحقيق معهم. كما أنّ إغلاق الملفات بتسويغ “لم نُوفّق بالعثور على مرتكب المخالفة”، يشير إلى أنّ سلطات إنفاذ القانون تعتقد هي الأخرى بوجود اشتباه معقول بارتكاب مخالفة. إلّا أنّ معاينة ملفّات التحقيق نفسها تشير إلى أنّ المحقّقين لا يبذلون جهدًا حقيقيًّا للعثور على مرتكبي المخالفات. وهذا ما يحدث عند ارتكاب مخالفات داخل سيّارة شُرَطيّة، وفي الحالات التي تكون هوية الكتيبة التي خرجت منها القوّة معروفة، وحتى في الحالات التي يتوفر فيها شريط يوثق الحادثة ويُمكّن من التعرّف بوجوه الجنود.

جليّ لنا أنّ نوعية التحقيقات والجهود المبذولة فيها لا تعكس القدرات الحقيقيّة المتوفّرة لدى سلطات التحقيق، وأنّ ما يقف من وراء المُماطلات ووسائل التحقيق الهزيلة، والموارد المحدودة المستثمرة فيها، وانعدام مهنيّة المحقّقين والجهد القليل الذي يستثمرونه في التحقيقات- هو سياسة إسرائيليّة متعمّدة تسعى لخلق وهم بوجود إنفاذ للقانون وهي ليست إلّا ممارسات تأتي من باب رفع العتب.

تلخيصًا، نحن نرى أنّ جنودًا وشرطيّين يحظون بحصانة شبه مطلقة في وجه تقديمهم للمحاكمة بشأن مخالفات يرتكبونها ضدّ فلسطينيّين من سكّان الضفة الغربيّة، الذي يُعتبرون “سكانًا مَحميّين” وفق أحكام القانون الدوليّ، والرسالة الجليّة التي ترشح عن ذلك هي تبخيس حياة الفلسطينيّين. إنّ فشل المنظومة الإسرائيليّة بالتحقيق بشكل شامل وفعّال في الشكاوى المتعلّقة بعنف الجنود والشرطيّين تجاه فلسطينيّين وتقديم الجُناة للمحاكمة، يؤدّي إلى تطبيع هذه المخالفات، ما يجعل منها عنصرًا إضافيًّا من عناصر منظومة السيطرة العسكريّة الإسرائيليّة على الأراضي المحتلّة.