في يوم 18 أيّار/ مايو 2021، وقرابة السّاعة العاشرة ليلًا، اقترب ضابط برتبة ملازم ومعه جُنديّان من سلاح المدرّعات، من منزل زوجيْن طبيبيْن من بلدة تقوع. وفيما كان أحد الجندييْن ينتظر خارج المنزل ويحرس الموقع، دخل الضابط والجنديّ الثاني إلى مَصفّ المنزل، وقاما بثقب كلّ دواليب السيّارتيْن التابعتيْن للزوجيْن بالسكاكين، من دون أيّ سبب يُذكر.
وُثقتْ هذه الحادثة بكاميرات الحراسة، ويُسمع خلال التوثيق صوتُ الجنود وهم يقتربون من المنزل. بعد تخريبهما للسيارتيْن سُمع الضابط وهو يقول لزميليْه “شباب، لا تتفوّهوا بكلمة عمّا حدث هنا”، فردّ عليه الجنديّان “لا تقلق” و”أنا معك أخي، كما تريد”. وأفادت لائحة الاتهام بأنّ الجنود قالوا وهم يغادرون المنزل “هذا ما يستحقونه… هكذا يجب معاملتهم”.
في أثناء عملية الاعتداء كان الزوجان يمكثان في صالون المنزل ويشاهدان مرعوبيْن ما يحدث في منزلهما، عبر كاميرات الحراسة التي كانت تبثّ عملية التخريب أثناء وقوعها. وفي إفادته، قام الزوج بوصف الخوف الكبير الذي اعتراهما الاثنين، حين ظهر على حين غرة مسلّحون أمام عتبة منزلهما وخرّبوا ممتلكاتهما: “لم أنزل لمنعهما من ارتكاب ما فعلاه خشية أن يقتلاني”. وقال الاثنان إنّ ما حدث شكّل لديهما انتهاكًا جسيمًا بأمنهما الشخصيّ الأمر الذي ترك فيهما أثرًا بالغًا لفترة طويلة.
في أعقاب حادثة اقتحام مصفّ المنزل وتخريب السيّارتيْن، اضطرّ الزوجان لدفع مبلغ ماليّ لا يُستهان به بغية تبديل الدواليب. زدْ على ذلك أنّ الاثنين اُضطرّا لتركيب بوابة كهربائيّة جديدة بلغت تكلفتها 12 ألف شيكل، على أمل أن توفّر لهما الحماية من اعتداءات مستقبليّة مشابهة.
وقد رافقت “ييش دين” هذا الملف من بدايته لنهايته، وقدّمت النيابة العسكريّة في أعقاب التحقيق لائحتيّ اتهام ضدّ اثنيْن من الثلاثة: الضابط “ي.ص.” والجندي “م.ق.”، اللذين وُثّقا بكاميرات الحراسة وهما يثقبان دواليب السيّارة. ووُجهت للضابط “ي.ص.” تهمة إلحاق الأضرار عمدًا، ومخالفة هامشيّة بالتصرّف غير اللائق، لأنّه كان ضابطًا أثناء ارتكاب الجنحة ولأنّه دفع الجنديّ الذي كان تحت إمرته إلى ارتكاب مخالفة. أمّا الجنديّ “م.ق.” فقد اُتّهم بإلحاق الأضرار بسيّارة عمدًا.
قدّمت “ييش دين” بيانًا من المتضرّريْن إلى المحكمة العسكريّة، ليحظى هذا البيان بحضور نادر وغير اعتياديّ في قرار الحكم الذي صدر ضدّ الجندييْن. فقد تطرّق القضاة في مسوّغات قرار الحكم ضدّ الضابط إلى الشعور بالذعر الذي اعترى الزوجيْن أثناء مشاهدتهما لما يحدث لمنزلهما، وهو الشعور الذي وصفه الزوج في بيانه. أمّا في تطرّق القضاة إلى فداحة أفعال الضابط، فقد أخذوا بعين الاعتبار “الأضرار الماديّة وتلك النفسانيّة التي لحقت بالمتضرّرين، كما جاء في البيان الذي قُدّم لنا، والذي يشير إلى وجود تأثيرات متواصلة”. وقال قرار الحكم إنّ ما فعله الجنديّان أدّى إلى انتهاك قيم الجيش وعلى رأسها طهارة السّلاح، وحتّى أنّه أدّى إلى المسّ بصورة الجيش وسُمعته.
حُكم على الضابط في إطار صفقة ادّعاء جزئيّة بعقوبة 42 يومًا من الأشغال العسكريّة، وبشهري حبس مع وقف التنفيذ لثلاث سنوات، وبدفع تعويض قيمته 1,500 ش.ج. للمتضرّريْن، وتخفيض رتبته إلى ملازم ثانٍ (وهي رتبة تُمكّن المتّهم من تولي مهام قياديّة في خدمة الاحتياط). وقد حُدّدت عقوبة “م.ق.” هي الأخرى في إطار صفقة ادعاء، وفُرض عليه 30 يومَ أشغالٍ عسكريّة، وثلاثة شهور حبس مع وقف التنفيذ لسنتيْن، وتخفيض رتبته إلى عريف، ودفع تعويض قيمته 1,500 ش.ج. للمُتضرريْن.
نحن نرى أنّ مرافقة “ييش دين”، وحقيقة أنّ الحادثة كلّها وُثّقت ونُشرت في وسائل الإعلام، قد أسهما في تقديم لائحتي الاتهام والإدانة. وتشير خبرة “ييش دين” وتجربتها إلى أنّ عددًا لا يُحصى من الحالات المشابهة والأكثر جسامة، يُغلق من دون إدانة، وفي بعض الحالات لا تحظى هذه الحالات حتّى بالتحقيق فيها. ولذلك فإنّ الحالات الاستثنائيّة –مثل هذه الحالة- تسمح لمنظمة فرض القانون العسكريّة بالحفاظ على واجهة تفيد بأنّ المنظومة تقوم بعملها وتحافظ على القيم الواجب تكريسها، الأمر الذي يُشرعِن العنف اليوميّ الذي يُرتكب برعاية وحماية الاحتلال الإسرائيلّ المتواصل.