ملف محكمة العدل العليا 6679/15 – رئيس مجلس بلدة قريوت ضد قائد قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية
تاريخ تقديم الالتماس: 8.10.2015
يقع الموقع الأثري خربة سيلون (“تل شيلو”) على أراضي بلدة قريوت الفلسطينية في قلب الضفة الغربية. بدأ التوطين في المكان في العصر البرونزي الوسيط، ووصل أوجَه في الحقبتين البيزنطية والعربية المبكّرة. وقد بُنيت في الموقع كنائس بيزنطية تحوّل بعضها إلى مساجد في أعقاب اعتناق أهل البلاد الديانة الإسلامية. حسب العقيدة اليهودية-المسيحية المتأخرة المكان هو شيلو التوراتية حيث تواجد معبد شيلو.
في عام 1978 أصدر القائد العسكري أمرا بوضع اليد رقم 1/78، وبواسطته أنشئ على أراضي بلدة قريوت “مخيم للتنقيب الأثري” تحوّل مع الوقت إلى مستوطنة شيلو. وقد وسّعت الحكومة الإسرائيلية لاحقا حدود المستوطنة لتشمل أيضا المنطقة الأثرية. يُذكر أن أمر وضع اليد هو آلية من المفروض أن تُستخدم فقط في الحاجات العسكرية الطارئة ولا تشكّل مصادرة للأراضي من أصحابها، مع هذا فمنذ عام 1978 لم يستخدم الجيش الأرض التي وضع يده عليها لأغراض عسكرية. كما أنه ليس للأمر تاريخ يشير لنهاية صلاحيته، رغم أنه بطبيعته يجب أن يكون قصير الأمد.
في عام 1992 قرّر القائد العسكري أن يشمل الموقع الأثري خربة سيلون (تل شيلو) بداخل حدود مستوطنة شيلو. نتيجة هذا القرار، وبفعل الأمر العسكري من عام 1970 الذي يمنع دخول فلسطينيين لحدود المستوطنات، تعذّر على أهالي الضفة الوصول إلى خربة سيلون والتي شكّلت مكانا للعبادة على مدار مئات السنين. بفعل نقل الموقع لحدود مستوطنة شيلو، صار الموقع خاضعا لصلاحية المجلس الإقليمي ماطيه بنيامين. وقد أودع المجلس صلاحية تشغيل الموقع الأثري بأيدي الجمعية الخاصة “مشكان شيلو – المركز لبحث وتطوير مهد الاستيطان في أرض إسرائيل”.
ردًّا على ذلك التمس رئيس مجلس بلدة قريوت مع منظّمتي “ييش دين” و“عمق شبيه”، للمطالبة بإلغاء ضمّ الموقع الأثري لحدود المجلس الإقليمي ماطيه بينامين؛ إلغاء الاتفاق بين الإدارة المدنية وبين المجلس الإقليمي على إدارة الموقع؛ والعمل فورا على وقف إدارة جمعية “مشكان شيلو” للموقع.
وحاجج الملتمِسون بان المجلس الإقليمي والجمعية التي تدير الموقع الأثري “يكرّسان موقع خربة سيلون/تل شيلو – الذي كما ذُكر آنفا، يشتمل من الناحية الأثرية الخالصة، بالأساس على آثار كنائس وأديرة وبلدات تواجدت في محيطها – باعتبارها جزءا من العقيدة اليهودية، وذلك من خلال تمويه، لدرجة إلغاء، دور الحضارات والأديان الأخرى في المنطقة. كما جاء في الالتماس أن كل نشاطات الجمعية في الموقع موجّهة للجمهور اليهودي وهي ذات طابع يهودي. لم يتم تنظيم نشاط واحد للمجتمع المحلي الفلسطيني الذي صودرت أراضيه لصالح الموقع. كما ينشط في المكان المركز السياحي “مجدال هروئيه” الذي يصف تاريخ شيلو الأسطورية كما ترد في التوراة، ولكنه لا يذكر المكتشفات الأثرية التي عُثر عليها في الموقع والتي هي بمعظمها مسيحية وإسلامية.
وشدّد الالتماس على أن القانون الدولي (وخصوصا ميثاق هاج بشأن حماية الممتلكات الثقافية خلال النزاعات المسلّحة من عام 1954) ينص على أن هناك أولوية واضحة لرعاية الممتلكات الثقافية من قبل السلطات التمثيلية في المنطقة المحتلة، أي في حالتنا هذه، مجلس قريوت. كما تمّ الاعتراف بهذه النظرية في عدة قرارات صادرة عن محكمة العدل العليا.
في أعقاب تقديم الالتماس، أصدر رئيس الأركان أمرًا يقضي بالسماح للفلسطينيين بدخول الموقع. جاء في ادّعاء الدولة أنّ ضابط الشؤون الأثرية متداخل بانتظام في إدارة الموقع، وأنّ الموقع يتضمن مكتشفات وآثار تعود لفترات وديانات مختلفة. ادّعت النيابة العامة أنّ الموقع “يُثري الموروث الثقافي للهيكل، الأمر الذي يزيد من أهمية الموقع” ، ولكن دون تفضيل موروثًا دينيًا معينًا. وجاء في رد الدولة أنّه ” بطبيعة الحال، وعلى ضوء أهمية الموقع للديانة اليهودية، هناك تركيز على ارتباطه بالشعب اليهودي، ولكن ذلك لا يمنع من أي شخص آخر زيارة من المكان والاطّلاع على الآثار الموجودة فيه”.
ردًا على ذلك، ادّعى مقدّمو الالتماس أنّ “الموقع يتّسم بخاصية مركزية ومهيمنة واحدة ووحيدة، تسلّط الضوء على طبيعة دينية-قومية واحدة ووحيدة”، وأنّ الدولة تتنصل من مسؤوليتها “تجاه المنطقة المحتلة وتاريخها، والمكتشفات العلمية الموجودة في الموقع… هذا ناتج بشكل واضح عن نقل مسؤولية إدارة الموقع ليد جهات سياسية ذات أجندة سياسية-دينية-قومية واضحة ومُعلنة، والتي تمارس التمييز والإقصاء على عدة مستويات.
بعد جلسة الاستماع التي أقيمت للنظر في الالتماس في محكمة العدل العليا في تشرين الثاني عام 2016، أعلنت الدولة عزمها على توقيع اتّفاق جديد بين الإدارة المدنيّة ومجلس ماتي بنيامين الإقليميّ، وذلك بهدف تعزيز مشاركة الإدارة المدنيّة في الإشراف على الموقع الأثريّ. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الدولة عن تثبيت لافتات بثلاث لغات داخل الموقع.
في 8.7.2019، رفضت المحكمة الالتماس بجميع بنوده. فيما يتعلّق بطلب إلغاء إدراج الموقع الأثريّ ضمن حدود مجلس ماتي بنيامين الإقليمي، نصّ قرار القضاة على عدم وجود أساس لهذا الطلب. على أيّة حال، بعد السماح للفلسطينيين بدخول الموقع في كانون الثاني 2016 لم يعد إدراجه ضمن نطاق صلاحيات المجلس الإقليميّ يشكّل أيّ صعوبة. فيما يتعلّق بالادّعاء بأنّ الموقع “ذو طابع دينيّ- وطنيّ واحد ووحيد” وبالتالي فهو يهمّش العقائد والحضارات الأخرى، وأنّ التغييرات التي طالت الموقع في أعقاب الالتماس غير جوهريّة، فقد أدرك القضاة أنّ “الطريقة التي يتمّ بها تشغيل الموقع تعتمد أساسًا على معلم “تل شيلو” التوراتي، إلّا أنّهم تقبّلوا موقف الدولة بأنّ الموقع “لا يمسّ بالعقائد والحضارات الأخرى” وأضافوا أنّه على أيةّ حال، لا مكان لتدخّل المحكمة في هذا الشأن.
أخيرًا، رفضت المحكمة طلب إلغاء الاتفاقيّة التي نقلت الصلاحيات الإدارية للموقع من الإدارة المدنية إلى مجلس ماتي بنيامين الإقليمي، وهو جسم ذو “أجندة سياسية واضحة” (كما زعم في ردّ “ييش دين” في تاريخ 9.11.2016)، والذي أودع بدوره صلاحيات إدارة الموقع في أيدي جمعيّة “مشكان شيلو”. وافق القضاة على موقف الدولة وقرروا أن الاتّفاق لا يدلّ على تملّص المجلس من مسؤوليته في الإشراف على الموقع الأثريّ وما يحدث فيه، خاصّة على ضوء التغييرات التي أجريت بعد تقديم الالتماس.
وضع الالتماس: رُفض