محكمة العدل العليا 2055/17 رئيس مجلس قرية عين يبرود وآخرون ضد الكنيست، محكمة العدل العليا (1308/17)
في بداية شهر آذار 2017 وجّه 23 رئيسَ مجلسِ قريةٍ فلسطينية و-13 منظمة حقوقية، ومن بينها “يِشْ دِين” التماسًا إلى محكمة العدل العليا مطالبينها بإصدار أمر يلغي قانون مصادرة أراضٍ فلسطينية خاصة تقع في الضفة الغربية (ما سُمِّي بقانون التسوية). فضلا عن ذلك، طلب الملتمسون من المحكمة إصدار أمر احترازي يمنع الدولة من الشروع بتطبيق إجراءات مصادرة الأراضي.
وقد جاء في الالتماس بأن القانون المذكور – الذي تمّ تمريره بخلاف رأي كلٍّ من المستشار القانوني للحكومة، والمستشار القانوني للكنيست، والمستشار القانوني لوزارة الأمن – غير دستوري لأنه ينتهك انتهاكًا سافرًا القانونَ الأساس “كرامة الإنسان وحريته”؛ فهو يقيّد قدرة السلطات على اتخاذ القرار الذي ترتئيه مناسبًا، ويُلْزِمها بمصادرة حقوق الفلسطينيين عَبْرَ استخدام أراضيهم الخاصة وحيازتها لفترة غير محدودة، علاوةً على أنه لا يمنح الفلسطينيين أي مجال لمقاومة إجراءات المصادرة.
طبقًا لمعطيات “السلام الآن”، سوف يؤدي القانون إلى مصادرة ما يزيد عن 8,000 دونم من الأراضي الخاصة التي أُقيمَت عليها أبنية غير شرعية، إضافة إلى عشرات آلاف الدونمات التي تضم أصناف مزروعات مختلفة. الأراضي التي يُزْمَع مصادرتها مُلْكٌ لآلاف الفلسطينيين، عدد كبير منهم يعيش بالقرى الممثَّلة في الالتماس.
إلى ذلك، ينتهك القانونُ محظوراتٍ مطلقةً يقضي بها القانون الإنساني العالمي وقوانينُ الاحتلال ومعاهداتٌ دولية وقّعت إسرائيل عليها. تُلْزِم هذه دولةَ إسرائيل بالحفاظ على حقوق سكان الأراضي المحتلة وتحظر عليها مصادرة ممتلكاتهم إن لم الأمر بدافعٍ أمنيٍّ فوري.
يؤكّد الالتماس بأن من شأن تطبيق أحكام القانون المذكور توريطَ المواطنين وقوى الأمن الذين سوف يُطلَب منهم إخراجه إلى حيّز التنفيذ بجرائم حرب، إضافة إلى أعضاء الكنيست الذين صوّتوا دعمًا لسَنّ القانون. فضلا عن ذلك، فإن مجرّد سن القانون يشكّل خروجًا عن صلاحيات الكنيست التي لا تملك الحقّ في وضع قوانين لأراضٍ في منطقة لا تخضع لسيادة دولة إسرائيل.
“بشكل سافر يُثْقِل هذا القانون على الضحايا ويكافئ المجرمين”، جاء في الالتماس. “لقد راهنت الكنيست بسنّها القانون على مصادرة حقوقٍ على أراضٍ تقع خارج حدود الدولة، حقوقِ أشخاصٍ ليسوا من مواطني إسرائيل أو من سكانها، وعليه، فإنهم لم يشاركوا ولم يُمثَّلوا في عملية التشريع التي وقعوا ضحيةً لها. ذلك هو بالضبط التعريف القاموسي لـ”النظام المستبد””.
في ردّ الحكومة، الذي قدّمه محامٍ خاص في أعقاب رفض المستشار القانوني للحكومة تمثيلَ الحكومة في الملف، زُعِم بأن القانون يمثّل حلًّا لحاجة قومية، و”استجابةً إنسانية متناسبة ومعقولة لضائقة حقيقية يواجهها سكانٌ إسرائيليون”. بل ذهبت الحكومة إلى حدّ الادعاء بأن القانون يعود بالفائدة، في واقع الأمر، على أصحاب الأراضي الفلسطينيين الذين يرغبون في بيع أراضيهم، لكنهم لا يستطيعون القيام بذلك جَرّاء القوانين المعتمَدة في السلطة الفلسطينية.
يزعم الرد كذلك بأن القانون المذكور يتماشى مع المقوّمات الدستورية الإسرائيلية منها والعالمية. مع ذلك، فقد اعترفت الحكومة بأن الهدف الرئيس للقانون سياسيٌّ. فالقانون يمنع هدم البيوت في المستوطنات والبؤر الاستيطانية، حتى إن كانت تلك قد أقيمَت على نحو غير قانوني وعلى أرض فلسطينية خاصة، ولا يهمه بأن الأمر يشكّل مسًّا بحقوق الملكية لأصحاب الأراضي الفلسطينيين.
في المقابل، طلب المستشار القانوني للحكومة، أَڤِيحاي مَنْدِلْبلِيت، من محكمة العدل العليا إبطال القانون، لأن القانون، من وجهة نظره، غير دستوري ويضع نُصْبَ عينيه غايةً غير سَوِيّة. وقد أضاف مندلبليت بأن القانون يمسّ على نحو غير متناسب بحقوق الملكية لأصحاب الأراضي الفلسطينيين، فهو يعطي شرعية تراجعيّة، ودون تمييز، لمبانٍ غير شرعية ويميّز ضد السكان الفلسطينيين. سمّى مندلبليت التسوية “تسوية جارفة وباطشة”، تتحيَّز إلى جانب المستوطنين وتهضم “حقوق الملكية لأصحاب الحقوق على أراضي المنطقة، في كل ظرف من الظروف”.
يُذْكَر بأن 17 رئيسَ مجلسٍ فلسطينيًّا وجّهوا التماسًا آخر ضد قانون التسوية، وقد انضم إليهم مركز عدالة، ومركز القدس لحقوق الإنسان، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، وذلك ضمن ملف محكمة العدل العليا 17/1308. وقد تمّ توحيد كِلا الالتماسَين في التماس واحد.
علاوة على ذلك، أعلن 28 محاضرًا وباحثًا في كليات ومدارس حقوقية في البلاد تتخصَّص في القانون العام، القانون الدولي، وحقوق الملكية عن رغبتهم في الانضمام للالتماسَين بصفة “أصدقاء المحكمة”. وقد جاء في البيان الاستشاري الذي قدّمه هؤلاء بأن قانون التسوية قانونٌ استثنائي من حيث مضمون التسوية المعتمَد فيه ومن حيث الجمهور المتضرِّر منه.
في 17 آب 2017 أصدرت المحكمة أمرًا احترازيًّا مؤقَّتًا يجمِّد القانون إلى حين اتخاذ قرار بالالتماسَين، وفي 4 كانون الأول 2017 أصدرت المحكمة أمرًا شَرطيًّا بتوكيل النظر في الالتماسَين لهيئة موسَّعة من تسعة قضاة. وقد عُقِدَت الجلسة في 3 حزيران 2018.
في 9 حزيران 2020 قَبِلت محكمة العدل العليا الالتماس بغالبية ثمانية ضد واحد وأسقطتْ القانون. وقد اعتبر القضاة في مسوِّغاتهم أن القانون غير دستوري لأنه ينتهك حقَّ الملكية وحقَّ المساواة للفلسطينيين في الضفة الغربية. اعترف قضاة محكمة العدل العليا في قرارهم بالوضع الخاص لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال والحكم الإسرائيليَين، وبحقهم في أن يكونوا محميّين من التدابير التي تنتهك حقوقهم الأساسية.
“اعتمادُ وسيلةٍ مَآلُها الاستيلاء الجارف على الحق في استغلالِ وحيازةِ الأراضي، أو الإعلانُ عن تلك الأراضي “ممتلكات حكومية” يثير صعوبات في هذا الجانب، فهو يجاوِد على نحوٍ جماعي مع كلّ مَن أقام بيته بشكل غير قانوني في تلك المستوطنة، بما في ذلك على أرض خاصة. إنه يَشمل “كل الأراضي التي أقيمت عليها تلك المستوطنة” وهو لا يتوقّف للتحقّق من حسن النية في اعتماد الإجراء، وعلى نحوٍ يتيح تطبيق التسوية على كل الأراضي الواقعة ضِمنَ حدود البلدة، بما في ذلك الأراضي التي لا تضم مباني سكنية. بدل الانحياز لمصلحة أصحاب الملكية الشرعيين، ينحاز القانون إلى مجموعة سكانية أخرى في المنطقة عينها، وتتعاظم الصعوبة بالنظر إلى أن الأمر يتعلّق بسكانٍ محميين أصحابِ حقوقٍ على جزء لا بأس به من تلك الأراضي.” (الفقرة 89).
بالرغم من أن المحكمة امتنعت عن البتّ في مسألة صلاحية الكنيست في سنّ قوانين تتعلّق بأراضٍ محتلة غير خاضعة للسيادة الإسرائيلية، فإنها قضت بأن الموضوع يثير صعوبات غير قليلة وهو ليس نقيَّ البيان. وقد فرضت المحكمة على الحكومة والمجلس الإقليمي مَطِه بنيامين دَفْعَ نفقات الملتمسين وأتعاب المحامين بواقع 30,000 ش عن كلّ التماس.
وَضْعُ الالتماس: قُبِل الالتماس والقانون أُبْطِل.