عندما يتمّ الكشف أمام الرأي العام عن مخالفات جنائية ارتكبها جنود إسرائيليون ضد فلسطينيين، ويحظى الأمر بصدى جماهيري، تسارع النخبة العسكرية ومسؤولو المؤسسة الإسرائيلية لوسم هذا الأعمال بأنّها “استثناءات” ويلتزمون باستنفاذ جميع الإجراءات القانونية مع المسؤولين. ويجتهد المتحدّثون الرسميون باسم دولة إسرائيل في إقناع الجمهور الإسرائيلي والدولي بأنّ هذه الحالات نادرة وأنّها تُعالَج بشدّة. غير أن تقرير “استثناءات” الذي نشرته منظّمة “ييش دين” يشير إلى أن “الاستثناءات” هي الحالات التي يتمّ فيها التحقيق مع جنود ومحاكمتهم بتهمة ارتكاب مخالفات ضد فلسطينيين. واستثنائية أكثر هي الحالات التي تتمّ فيها معاقبة الجناة بشكل فعلي على جرائمهم.
يكشف تحقيق داخلي أجراه الجيش الإسرائيلي عن أن ربع جنوده الذين خدموا في الحواجز شاركوا بأنفسهم في أعمال تنكيل بفلسطينيين، تقاضي رشوة وإهانات وأعمال ممنوعة أخرى، أو كانوا شهودا عليها أو سمعوا بها من رفاقهم. ويكشف تقرير “ييش دين” للمرة الأولى عن معطيات كاملة بخصوص معالجة أجهزة تطبيق القانون العسكرية لحالات ارتكب فيها جنود مخالفات بحق فلسطينيين في الضفة الغربية، بما في ذلك مخالفات عنف وتعدٍّ على ممتلكات.
يعتمد التقرير على معلومات تستند للملاحظة والتجربة، وكذلك على لوائح اتهام وقرارات حكم نقلها الجيش لمنظّمة “ييش دين”. وتبين أنه من أصل 1246 قضية شرعت شرطة التحقيقات العسكرية بالتحقيق فيها في السنوات السبع التي يستعرضها التقرير، أفضت 78 قضية (6%) فقط إلى تقديم لوائح اتهام ضدّ جندي أو أكثر. وفي حين قُتل آلاف الفلسطينيين في الفترة المستطلَعة – أي منذ اندلاع الانتفاضة الثانية وحتى نهاية عام 2007 – تم تقديم 13 لائحة اتهام فقط ضد جنود بتهمة قتل مدنيين. كما أنه حتى موعد نشر هذا التقرير، أدانت المحاكم العسكرية خمسة جنود بتهمة المسؤولية عن موت ثلاثة فلسطينيين ومواطن بريطاني واحد.
يتيح التقرير لأول مرة فحص نوعية أداء الجهاز الجنائي العسكري والذي يضمّ شرطة التحقيقات العسكرية والنيابة العامة العسكرية والمحاكم العسكرية، بشأن مخالفات ارتكبها جنود بحق فلسطينيين من مواطني الضفة الغربية. ويشتمل التقرير على وصف تفصيلي لكل واحدة من القضايا التي تداولتها المحاكم العسكرية بخصوص مخالفات تم ارتكابها منذ اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول عام 2000 وحتى نهاية عام 2007.
كما يعرض التقرير معطيات بشأن إحقاق حقوق الفلسطينيين في الحصول على تعويض عن الاعتداءات الجسدية أو على الممتلكات. في هذا السياق يصف التقرير تضارب المصالح البنيوي في تحقيقات شرطة التحقيقات العسكرية والتي، كما قالها صراحةً ضابط الشرطة العسكرية الرئيسي، لا تهدف فقط للكشف عن المخالفات الجنائية وتقديم الجناة للمحاكمة، بل أيضا إلى تجنيب دولة إسرائيل دفع التعويضات للمدنيين الفلسطينيين الذين تضرّروا جراء اعتداءات جنودها.